قاضي دولي في زيت الزيتون عضو الجمعية العلمية للصناعات الغذائية – جامعة الاسكندرية
مع بداية موسم حصاد الزيتون والعصر في العالم، وفي إطار سعينا لإجابة سؤال كيف تختار معصرة الزيتون المناسبة؟ قمنا برحلة إلى إسبانيا، وتحديدًا إلى مدينة خاين (Jaén) في إقليم الأندلس، لمتابعة أحدث ما توصل إليه العلم من أساليب حديثة للعصر. وقد اصطحبنا في رحلتنا صديقنا الحاج سيد أبو طالب للوقوف على آخر التطورات العالمية في استخلاص زيت الزيتون.
قمنا بزيارة أكثر من معصرة زيتون في مدينة أُبّدة (Úbeda)، حيث تناقشنا مع أصحاب المعاصر حول طرق اختيار المعدات، وأساليب الاستخلاص، وظروف التشغيل، وطرق التخزين. لاحظنا وجود ضوابط كثيرة تُمارس بحكم الخبرة والاعتياد والأساس العملي لنوعية الزيتون. كما وجدنا أن الاستخلاص الميكانيكي بالطرد المركزي هو الأسلوب الأكثر انتشارًا، على الرغم من أن بعض المعاصر قد استحدثت أساليب التبريد والتفريغ (Vacuum) بعد عملية الطحن، إلا أنها قليلة. وسنتناول هذا الموضوع بالتفصيل في مقال آخر، فالغالبية العظمى تعتمد على الاستخلاص الميكانيكي بالطرد المركزي.
ولاحظنا أن قطاع زيت الزيتون في إسبانيا يركز على تحسين عملية الاستخلاص الميكانيكي بهدفين رئيسيين:
إن الإدارة الدقيقة لمعايير وظروف التشغيل، مثل الوقت ودرجة الحرارة والأكسجين والمواد المساعدة خلال أهم مراحل العملية (التكسير والتقليب)، لها تأثير كبير على تحسين طرق المعالجة للحصول على زيت زيتون بكر ممتاز عالي الجودة. وفي السنوات الأخيرة، أُجريت العديد من الدراسات البحثية التي أدت إلى ابتكارات جديدة في عملية الاستخلاص، في محاولة للتحكم في النشاط الإنزيمي لإنزيمات الزيتون الذاتية.
ركزت بعض الدراسات على استخدام مسحوق التلك (سيليكات المغنيسيوم المائية)، وهو مادة مساعدة فيزيائية مسموح بها في الاتحاد الأوروبي، نظرًا لعدم اكتشاف أي تغييرات كيميائية أو بيوكيميائية ناتجة عن استخدامه في عملية الاستخلاص، مما يُحافظ على زيت الزيتون البكر الممتاز (EVOO) كزيت طبيعي يُستخرج فقط باستخدام التكنولوجيا الفيزيائية والميكانيكية.
يساعد مسحوق التلك في زيادة إنتاج الزيت، لا سيما عند استخلاص الزيت من ثمار الزيتون التي تعرضت للري المفرط أو الزيتون الناضج جدًا. الجدير بالذكر أن نسبة الرطوبة المثالية للماء في ثمار الزيتون قبل العصر تتراوح بين 45% و50%. ويستطيع التلك الطبيعي التأثير على محتوى الماء في معجون الزيتون خلال مرحلة العجن (Malaxation)، وتعزيز تحلل مستحلبات الزيت في الماء، مما يُحسّن خطوة الفصل النهائية في جهاز الطرد المركزي الأفقي (الديكانتر) أو الطرد المركزي الرأسي (الفرّازة). ويُلاحظ زيادة نسبة الاستخلاص بعد استخدام مسحوق التلك بنسبة تتراوح بين 2% و4%، طبقًا لمحتوى ماء الثمار في الزيتون.
كما تم فحص نشاط مواد مساعدة أخرى تضاف أثناء مرحلة العجن، مثل إضافة مركبات إنزيمية أو استخدام كلوريد الصوديوم وكربونات الكالسيوم والسيليكا للمحافظة على جودة زيت الزيتون. ولا يُسمح باستخدام مواد مساعدة بديلة لمسحوق التلك في الاتحاد الأوروبي في عملية الاستخلاص الميكانيكي لزيت الزيتون، بما لا يتعارض مع تعريف رتبة زيت الزيتون الممتاز.
وقد ذكر السيد خوان، صاحب إحدى المعاصر، أنهم قاموا بتجربة إضافة تركيبة إنزيمية مكونة من (البكتيناز، والبكتين ميثيل إستراز، والبولي غالاكتوروناز) بالإضافة إلى مسحوق التلك أثناء عجن معجون الزيتون، لتقييم تأثيرها على قابلية استخلاص الزيت وخصائصه النوعية. أُجري تقييم كمي ونوعي للفينولات المحبة للماء والمركبات المتطايرة التي تؤثر على الخصائص الصحية والحسية الرئيسية لزيت الزيتون عالي الجودة.
ولأول مرة على المستوى الصناعي، أدت إضافة مزيج من المركب الإنزيمي ومسحوق التلك إلى:
يُحدث هذا الأمر نقلة نوعية في زيادة كفاءة عملية الاستخلاص وتقليل الفاقد في المخلفات، مع الحفاظ على الجودة المرتفعة. لكن هذه التجربة لم تُعمم حتى الآن؛ لأنها تحتاج إلى ضوابط ومعايير خاصة ومتغيرة، طبقًا لنوع المعصرة، ونوع الثمار، ووقت الحصاد، ومحتوى الماء في الثمار، وظروف أخرى متغيرة.
بعد ما شاهدناه، قرر الحاج سيد أبو طالب شراء معصرة زيتون تعمل بنظام المرحلتين (2-Phase)، وذلك بعد زيارة لشركات تصنيع المعاصر ومتابعة التطور الحديث في استخدام التبريد والتفريغ. كما سيدرس تكلفة استخدام مسحوق التلك في مرحلة العجن، مع تحليل نسبة الماء في الثمار قبل العصر، بهدف إنتاج زيت زيتون مميز وعالي الجودة. ويسعى لنقل كل هذا التطور إلى مصر، ليحقق الريادة في إنتاج زيت زيتون عالي الجودة بمعصرة متطورة.