.png)

مؤسس الموقع وخبرة أكثر من 11 سنة في مجال التسويق في صناعة الزيوت والدهون
في اليوم الذي يترقبه العالم لافتتاح المتحف المصري الكبير، دعونا نتخيّل قسمًا داخل هذا الصرح العظيم مخصّصًا للزيوت والدهون — تلك المواد التي لعبت دورًا مذهلًا في حياة المصريين القدماء.
فماذا يمكن أن نجد فيه؟ وما القصص التي يمكن أن ترويها هذه الزيوت عن حضارة امتدّ تأثيرها آلاف السنين؟
كانت تطبيقات الزيوت والدهون في مصر القديمة متنوعة على نحو مذهل، بحيث لامست كل جانب من جوانب الحياة اليومية — من المطبخ إلى المعبد، ومن أدوات التجميل إلى طقوس الدفن.
اعتمد المصريون القدماء على مجموعة متنوعة من الزيوت والدهون المنتجة محليًا، والتي شكّلت أساس صناعاتهم اليومية والدينية.
يُعد زيت الخروع أول “زيت صناعي” في تاريخ مصر القديمة. ونظرًا لعدم ملاءمته للطهي بسبب طعمه اللاذع وسمّيته الجزئية قبل المعالجة، فقد كان استخدامه الأساسي للإضاءة.
كان زيت الخروع الوقود المفضل للمصابيح الزيتية في المنازل والمعابد، مانحًا ضوءًا ثابتًا وهادئًا. كما ورد ذكره في البرديات الطبية مثل بردية إيبرس، حيث استُخدم كـمُليّن قوي وفي علاج التهابات العين والجلد.
كان هذا الزيت الفاخر، المستخرج من شجرة المورينجا، بمثابة المكافئ القديم لأرقى زيوت التجميل.
نظراً لعدم امتلاكه رائحة قوية وقدرته العالية على امتصاص العطور، أصبح زيت البان القاعدة المثالية لصناعة أغلى المراهم والعطور الملكية.
كما استخدم في الطقوس الدينية والجنائزية، وكان ضمن قائمة الزيوت المقدسة المستخدمة في مراسم “فتح الفم”، وهي طقوس تهدف إلى ضمان حياة المتوفى في العالم الآخر.
في حين كانت الزيوت النباتية تُستخدم غالبًا للإضاءة والطقوس، استُخدمت الدهون الحيوانية (خاصة شحوم الثيران والأبقار) في صناعة المراهم الطبية والتجميلية، حيث كانت تُخلط بالأعشاب والعطور.
ورغم أن بعض الأطعمة المصرية القديمة احتوت على دهون حيوانية، إلا أن معظم الطبخ كان يعتمد على السلق والغلي أكثر من القلي، لذا كان الاستخدام التجميلي والطبي لهذه الدهون أكثر انتشارًا.
على عكس الاعتقاد الشائع، لم يكن زيت الزيتون واسع الانتشار في مصر خلال العصور المبكرة.
فقد بدأت زراعته تتوسع تدريجيًا منذ عصر الدولة الحديثة، لكنه ظل لفترات طويلة سلعة فاخرة تُستورد من بلاد الشام (فلسطين وسوريا).
وتُظهر الأدلة الأثرية — مثل جرار الزيت المستوردة وأدوات العصر — أنه استُخدم في البداية كغذاء للنخبة وكعنصر تجميلي باهظ الثمن، قبل أن ينتشر استخدامه على نطاق أوسع خلال العصرين البطلمي والروماني.
وهنا نصل إلى مسألة تثير اهتمام الباحثين في تاريخ الزيوت:
هل عرف المصريون القدماء "زيت النخيل" (Palm Oil)؟
الإجابة المرجّحة هي: نعم، عرفوه، لكنهم لم ينتجوه محليًا.
النخيل المنتشر في وادي النيل كان من نوع نخيل التمر (Phoenix dactylifera)، الذي يُزرع من أجل ثماره، وليس من أجل الزيت. أما نخيل الزيت (Elaeis guineensis) فموطنه الأصلي هو غرب ووسط إفريقيا.
في أواخر القرن التاسع عشر، اكتشف علماء الآثار في مقبرة بـ أبيدوس تعود إلى نحو 3000 قبل الميلاد بقايا مادة دهنية داخل جرة جنائزية.
وقد أظهرت تحاليل كيميائية حديثة — مثل دراسات Serpico & White (2000) — أن هذه البقايا تحتوي على مركبات مشابهة لتلك الموجودة في زيت النخيل الأفريقي.
تشير هذه النتائج إلى أن المادة ربما كانت مزيجًا من دهون حيوانية وزيوت نباتية أفريقية، ما يرجّح أنها كانت مستوردة بكميات محدودة عبر طرق النوبة أو السودان.
وبالتالي، يُعد هذا الاكتشاف من أقدم الأدلة على الاتصال التجاري بين وادي النيل وأفريقيا الاستوائية، حيث استُخدم الزيت في سياقات جنائزية أو طقسية نادرة، لا في الحياة اليومية.
كانت تطبيقات الزيوت والدهون في مصر القديمة متنوعة على نحو مذهل، بحيث لامست كل جانب من جوانب الحياة اليومية — من المطبخ إلى المعبد، ومن أدوات التجميل إلى طقوس الدفن.
كانت الدهون الحيوانية (مثل شحم البقر ودهن الخنزير) والزيوت النباتية الشائعة (مثل السمسم وبذور الكتان) هي المصادر الأساسية للدهون المستخدمة في القلي وطهي اللحوم والخضروات.
وقد مثّلت هذه الزيوت عنصرًا أساسيًا في إعداد الطعام في البيوت والمعابد على حدّ سواء.
استخدام رئيسي في حياة المصريين القدماء، إذ لعبت الزيوت دورًا محوريًا في العناية بالجسم وإنتاج العطور الفاخرة.
كانت الزيوت في صميم الطقوس المقدسة، حاضرة في كل من الطقوس الحياتية والجنائزية.
كانت الزيوت والدهون بمثابة الوسيط الأساسي لتقديم الدواء في مصر القديمة.
اعتمد المصريون القدماء على الزيوت النباتية لإضاءة منازلهم ومعابدهم، وكان زيت الخروع الوقود الأكثر شيوعًا في المصابيح، إلى جانب زيت الزيتون في الفترات اللاحقة.
حتى في المجال التقني، كان للزيوت والدهون دور لا غنى عنه.
هذه المعرفة لم تأتِ من فراغ، بل من تراكم أدلة متعددة المصادر:
لا شك أن المصريين القدماء كانوا روّاد العلم في زمنهم، وقد سبقوا البشرية بخطوات أدهشت علماء اليوم. ورغم مرور آلاف السنين، ما تزال ألغاز كثيرة تحيط بتقدّمهم المذهل.ولعل العودة إلى دراسة استخداماتهم الدقيقة للزيوت والدهون، وربطها بالأبحاث العلمية الحديثة، تقودنا إلى فهمٍ أعمق لأسرارهم — وربما إلى اكتشافات علمية جديدة تُعيد صياغة فهمنا للماضي.
يُظهر التاريخ المصري القديم أن الزيوت والدهون لم تكن مجرد مواد غذائية، بل كانت وقودًا ودواءً وعطرًا ورمزًا دينيًا.
هذا التنوع يعكس فهماً مبكرًا لسلاسل الإمداد والتجارة، ويُثبت أن المصريين القدماء لم يكونوا مستهلكين فحسب، بل فاعلين اقتصاديين ودينيين في واحدة من أقدم شبكات تجارة الزيوت في تاريخ البشرية.