أصبح الجبن النباتي خيارًا شائعًا لمن يرغبون في تجنب الألبان مع الاستمرار في الاستمتاع بطعم وقوام الجبن التقليدي. ولكن، تصنيع جبن نباتي يتمدد ويذوب ويشبه طعم الجبن الحيواني ليس بالأمر السهل، إذ يتطلب الكثير من البحث العلمي والتجارب الدقيقة. هذا هو التحدي الذي واجهه باحثون في جامعة جيلف الكندية، وقد أحرزوا تقدمًا ملحوظًا فيه.
لصنع جبن يحاكي الجبن الحيواني، يستخدم العلماء مكونات تتصرف مثل الدهون والبروتينات الحيوانية. وغالبًا ما تُستخدم زيوت مثل زيت جوز الهند لأنه يمنح الجبن قوامًا كريميًا غنيًا. لكن زيت جوز الهند يحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة، وهو ما لا يُفضل صحيًا. لذلك بدأ الباحثون في اختبار خلطات تقلل من نسبة زيت جوز الهند وتستبدله بزيوت صحية أكثر مثل زيت عباد الشمس.
كما اختبروا بروتينات نباتية مختلفة لتكون أساس الجبن النباتي، حيث تعمل هذه البروتينات كدعامات تحمل الدهون والمكونات الأخرى معًا. فحص الفريق عزلات بروتينية مستخلصة من البازلاء والعدس والفاصوليا العريضة (الفافا) لدراسة مدى فاعليتها. ووجدوا أن تفاعل البروتين مع الدهون والنشويات يحدد مدى قدرة الجبن على الذوبان والتمدد والثبات.
كان أحد الأهداف الرئيسية هو العثور على مزيج من البروتين والدهون يمنح الجبن النباتي الصلابة والوظائف المطلوبة. وجد الباحثون سابقًا أن مزيجًا من 25٪ زيت جوز هند و75٪ زيت عباد الشمس يعمل جيدًا عند دمجه مع نوع معين من بروتين البازلاء، حيث أنتج جبنًا صلبًا، قابلًا للذوبان، ويتمدد مثل الجبن التقليدي — وهي خصائص مهمة في الاستخدامات مثل البيتزا والسندويشات والوجبات الخفيفة.
في الدراسة الجديدة، اختبر الباحثون ثلاثة أنواع من البروتينات: من البازلاء (PP1)، ومن الفافا (FP1)، ومن العدس. استخدموا تركيزًا قدره 7.5٪ من الوزن لكل منها، مع اختبار الجبن الناتج باستخدام مزيج من 25٪ و100٪ زيت جوز هند.
وكانت النتائج مفاجئة: الجبن المصنوع من بروتين البازلاء و25٪ زيت جوز الهند وصل إلى صلابة قدرها 80 نيوتن — قريب جدًا من الصلابة التي وصل إليها الجبن المصنوع بـ100٪ زيت جوز هند (100 نيوتن). وهذا يعني أنك لا تحتاج إلى كمية كبيرة من زيت جوز الهند للحصول على القوام المطلوب. بل إن نسخة بروتين البازلاء تفوقت أو تساوت مع غيرها في الذوبان والتمدد والتحكم في فقدان الزيت.
خفض نسبة زيت جوز الهند يعني تقليل الدهون المشبعة. ويساعد استخدام زيت عباد الشمس في جعل الجبن أكثر صحة دون فقدان الملمس الكريمي الناعم الذي يتوقعه المستهلك.
قال مارانغوني:
"هدفنا في النهاية هو تحسين القيمة الغذائية، وزيادة محتوى البروتين، وخفض محتوى الدهون المشبعة في بدائل الجبن، لكن الحفاظ على الخصائص مثل الذوبان والتمدد أمر صعب للغاية."
استخدم الفريق أدوات متقدمة لاختبار سلوك الجبن عند التسخين، بما في ذلك اللزوجة والمرونة عند درجات حرارة تصل إلى 95 درجة مئوية — وهي حرارة الطهي المعتادة. وقد ساعدت هذه التجارب على فهم كيفية تفاعل كل نوع من البروتين مع الحرارة، وهو أمر حاسم في الطبخ والتصنيع الغذائي.
أظهرت النتائج أن بعض البروتينات تُكوّن روابط أفضل مع الدهون والنشويات، مما يُنتج جبنًا أكثر استقرارًا وفعالية. وكان مزيج بروتين البازلاء مع خليط الزيوت هو الأفضل من حيث القوام والأداء، ما يعني أنه أقرب لطعم وقوام الجبن الحيواني، ويمنح فوائد صحية واستدامة أفضل — خاصة عند استبدال جزء من زيت جوز الهند بـ زيت عباد الشمس.
صنع الجبن من النباتات له فوائد بيئية كبيرة، فهو يستهلك موارد طبيعية أقل من تربية المواشي، ويطلق انبعاثات كربونية أقل، مما يجعله خيارًا صديقًا للبيئة. كما أن خلط الزيوت مع البروتينات النباتية يتيح للمستهلكين تقليل استهلاك الدهون المشبعة دون التضحية بالنكهة أو القوام.
ومع ذلك، فإن تصنيع جبن نباتي يُرضي المستهلكين يمثل تحديًا كبيرًا. قال مارانغوني:
"سلوك بروتينات الحليب واللحوم مفهوم نسبيًا، لكننا لا نزال نفتقر إلى معرفة كافية عن كيفية عمل البروتينات النباتية، كما أن هناك تنوعًا هائلًا في أنواع البروتينات النباتية."
تُضيف هذه الدراسة معرفة جديدة إلى الأبحاث الموجودة وتساعد مصنّعي الأغذية على تصميم جبن نباتي أكثر صحة وأقرب إلى الجبن التقليدي في الطعم والملمس.
وبفضل هذه الدراسات، قد يبدو مستقبل الجبن مختلفًا تمامًا: بدلاً من منتجات الألبان عالية الدهون والتأثير البيئي، سنستمتع قريبًا بجبن نباتي غني يتمدد ويذوب ويكون أفضل لصحتنا وكوكبنا.
من المتوقع أن تشمل المرحلة التالية من الأبحاث اختبار أنواع جديدة من البروتينات النباتية وتحسين خلطات الزيوت بشكل أدق. كما سيجري الباحثون دراسات إضافية على كيفية تفاعل الجبن النباتي مع وصفات الطهي المختلفة. ومع تطور هذا المجال، سنشهد توفر خيارات نباتية أكثر في الأسواق بطعم وشكل أقرب لما اعتدناه من الجبن التقليدي.
في الوقت الحالي، تُظهر هذه الأبحاث أنه باستخدام المكونات المناسبة والنهج العلمي، يمكن للجبن النباتي أن يكون لذيذًا ومغذيًا في الوقت نفسه — فوز للطعم، والصحة، والبيئة.
المصدر: AOL
