القلايات الهوائية: ثورة تكنولوجية تدعم الأمن الغذائي العالمي

‍

مقدمة: من المطبخ العائلي إلى الاقتصاد العالمي

بدأ الأمر بمناقشة عائلية معتادة حول ميزانية المنزل والمصروفات الشهرية، حين طلبت زوجتي شراء جهاز حدثتني عنه كثيراً، مؤكدة أهميته في ترشيد استهلاك الزيت. وبطبيعة الحال، كشخص يدعم أي توجه للتوفير، وافقت على مناقشة الفكرة. كان الجهاز هو "القلاية الهوائية" (Air Fryer). جلسنا نحسب معدلات استهلاك الزيت قبل وبعد استخدام هذا الجهاز، لندرك أهميته الكبيرة ليس فقط للتوفير المادي، بل لترشيد استهلاك مورد غذائي هام.

لمحة تاريخية وتطور تكنولوجي

قدم "فان دير فاي" أول قلاية هوائية في برلين عام 2010 تحت العلامة التجارية "فيليبس". ومنذ ذلك الحين، أثبتت التكنولوجيا الحديثة والبحث العلمي أنهما وسائل فعالة للتطور ورفع الوعي، بل ومؤثران في تغيير أنماط الحياة والعادات المتوارثة.

فالتغير في أسلوب الطهي لم يعد مجرد رفاهية، بل تحول من الأسلوب التقليدي المعتمد على القلي بالغمر (القلي العميق) إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة التي تعتمد على تقنيات الهواء الساخن.

القلايات الهوائية والأمن الغذائي

مع التوجه العالمي لتقليل استخدام الزيوت النباتية في القلي، تبرز القلايات الهوائية كخطوة حيوية نحو تحقيق توازن بين الإنتاج العالمي للزيوت النباتية والاستهلاك المتزايد الناتج عن النمو السكاني.

تكتسب هذه الخطوة أهمية مضاعفة عند الأخذ في الاعتبار التغيرات المناخية التي تؤثر سلباً على الإنتاج العالمي للزيوت وتسبب تذبذب معدلات الإنتاج؛ لذا يعد هذا التطور التكنولوجي عاملاً حاسماً في سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.

البعد الصحي: وداعاً لمخاطر القلي العميق

من الجانب الصحي، ينطوي القلي العميق وإعادة استخدام الزيت على مخاطر جمة. فنتيجة لاختلاف "نقطة التدخين" (Smoke Point) للزيوت، قد يحدث احتراق للزيت وتكون للبوليمرات عند تسخينه لدرجات حرارة عالية وتكرار استخدامه.

يؤدي هذا التحلل إلى تكوين مركبات هيدروكربونية سامة قد تسبب الأمراض، وقد ينتج عنها مركب الأكرولين السام ($C_3H_4O$).

ونظراً لارتفاع أسعار الزيوت وانخفاض القوة الشرائية في بعض الدول، قد يلجأ بعض أصحاب المشاريع الغذائية إلى القلي عدة مرات بنفس الزيت أو خلط زيت جديد بآخر قديم للتوفير، متغافلين عن التأثير الضار لهذه الممارسات. هنا يأتي دور القلايات الهوائية وانتشارها الواسع كتحدٍ قوي لنمط استهلاك الزيوت التقليدي، حيث غيّر هذا الجهاز عادات الطهي في ملايين المنازل.

مفارقة زيت الزيتون في السوق العالمي

على صعيد آخر، شهد قطاع زيت الزيتون انخفاضاً ملحوظاً في استهلاكه العالمي. وتشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 210 آلاف طن من زيت الزيتون لا تُستخدم سنوياً، وهو رقم ضخم يعادل إجمالي إنتاج دولة مثل البرتغال (سادس أكبر منتج في العالم).

يتزايد هذا التأثير عند النظر إلى مكانة زيت الزيتون المحدودة في سوق الدهون العالمية؛ فهو لا يمثل حالياً سوى 1.3% من إجمالي الدهون الحيوانية والنباتية المستهلكة عالمياً (أي 3.2 مليون طن مقارنة بإجمالي 248 مليون طن). وبينما يتزايد نصيب الفرد من استهلاك الدهون الأخرى، يتراجع استهلاكه من زيت الزيتون، الذي يحافظ على حجم سوقه بفضل النمو السكاني فقط وليس بزيادة الإقبال الفردي.

من يشتري زيت الزيتون؟

إن تحليل صورة مستهلك زيت الزيتون العادي (متوسط الدخل) يعطي مؤشرات غير مشجعة. فعلى الرغم من قناعته بكونه منتجاً صحياً، إلا أن استهلاكه يظل منخفضاً. غالباً ما يكون المستهلك رجلاً من الطبقة المتوسطة يتجاوز عمره 49 عاماً، ولديه أطفال، ويميل لشراء العلامات التجارية الموثوقة في عبوات تكفي احتياجات الأسرة وفقاً لقدرته الشرائية.

يقتصر استخدامه بشكل أساسي على السلطة أو الصلصة، بينما يعتمد في باقي احتياجاته على زيوت أرخص سعراً. أما خارج المنزل، فيكاد يختفي استهلاك زيت الزيتون في المطاعم. يبرز هذا النمط صعوبة تواصل قطاع زيت الزيتون مع المستهلكين الشباب (الأجيال الجديدة) وفشله في تنويع استخداماته في الطهي.

رؤية مستقبلية: تحالف التكنولوجيا والصحة

بشكل عام، لا يتم استخدام زيت الزيتون في القلي العميق نظراً لارتفاع ثمنه وسعي المستهلكين للتوفير. ومع ذلك، من الضروري إعادة تموضع زيت الزيتون وتعزيز قيمته كمنتج صحي، لذيذ، ومستدام.

الحل الأمثل يكمن في خلق تحالف استراتيجي مع مصنعي القلايات الهوائية؛ لتعزيز استخدامه ضمن هذه التقنيات الحديثة (كاستخدامه للرش أو الدهن الخفيف)، والترويج لزيت الزيتون كرفيق مثالي لهذه التكنولوجيا الصحية.

‍