.png)

قاضي دولي في زيت الزيتون عضو الجمعية العلمية للصناعات الغذائية – جامعة الاسكندرية
خلال زيارتي الأخيرة لإسبانيا، ولقائي بصديقي السيد خوان فيلار، استشاري أبحاث التطوير البارز، تطرق حديثنا إلى التطورات والاكتشافات الحديثة في عالم زيت الزيتون. استوقفني حديثه عن دراسة جديدة أحدثت "نقلة نوعية" في هذا المجال، مما أثار فضولي لمعرفة المزيد.
قال لي السيد فيلار: "لنذهب معاً إلى جامعة لاريوخا (University of La Rioja) في مدينة لوغرونيو، لتناقش ابن وطنك حول ما تريد معرفته". وكانت المفاجأة السارة أن وراء هذه الدراسة الرائدة باحث مصري حصل على درجة الدكتوراه من قسم الكيمياء بالجامعة، وهو الدكتور طه مهنى حسين عبد اللطيف.
تمحورت رسالة الدكتوراه، التي جاءت بعنوان "استقرار زيت الزيتون البكر الممتاز والزيوت الصالحة للأكل الأخرى تحت ضغط القلي العميق والتخزين"، حول تصميم طريقة مبتكرة لتعزيز زيت الزيتون البكر الممتاز (EVOO) الذي يحتوي على نسب منخفضة من مضادات الأكسدة الطبيعية.
اعتمد الدكتور طه في ابتكاره على دمج "البوليفينولات الخارجية"، وأهمها مركب الهيدروكسي تيروسول (Hydroxytyrosol). هذا المُركب الثانوي، المستخلص من أوراق وثمار شجرة الزيتون، معروف عالمياً بفوائده الصحية المذهلة، بما في ذلك تأثيراته الوقائية للقلب، وخصائصه المضادة للالتهابات والسرطان.
عندما طلبت من الباحث شرح التأثير العملي لهذه الدراسة، أوضح أن النتائج تمثل إنجازاً غير مسبوق في استخدام زيت الزيتون البكر الممتاز في القلي العميق بشكل آمن.
أكدت النتائج أن زيت الزيتون المُدعّم بالهيدروكسي تيروسول (HTyr) يحافظ على خصائصه الحسية وثباته الكيميائي لمدة تصل إلى 3 ساعات من القلي المتواصل عند درجة حرارة 170 درجة مئوية. وهذا يجعله الزيت الأكثر مقاومة وصحة لعمليات الطهي، مما يزيد من قيمته المضافة سواء للاستهلاك المنزلي المباشر أو في الصناعات الغذائية.
تشير جامعة لاريوخا إلى أن أحد التحديات الرئيسية التي عالجها البحث هو انخفاض قابلية ذوبان المركبات الفينولية في الزيوت. وقد نجحت الدراسة في إذابة الهيدروكسي تيروسول ومشتقاته بفعالية، محققة تركيزات تصل إلى 650 جزءاً في المليون في زيت الزيتون.
تحقق ذلك عبر نهج مبتكر يعتمد على التحليل الطيفي بالأشعة تحت الحمراء القريبة (NIR) مع القياس الكيميائي، وهي تقنية دقيقة تتيح الكشف عن البوليفينولات وتحديد كميتها، مما يوفر أداة فعالة لمنع الغش وضمان جودة الزيوت.
حللت التجارب تطور الزيت أثناء القلي لفترات تصل إلى 48 ساعة. وقد أظهرت النتائج ما يلي:
لا يقتصر هذا الإنجاز على تحسين أداء الزيت وقوته فحسب، بل يساهم أيضاً في تقليل مخلفات الزيوت الناتجة عن القلي وتوفير المواد الخام، مما يعزز الاستدامة البيئية.
تُعد أطروحة الدكتور طه مهنى حسين عبد اللطيف مساهمة علمية وتكنولوجية عالية التأثير، تفتح آفاقاً جديدة لتصميم زيوت زيتون بكر ممتاز "وظيفية" (Functional Foods)، أكثر استقراراً وصحة، مما يؤكد مكانة زيت الزيتون باعتباره الدهون الصحية الأكثر توازناً وأماناً.
نتمنى دوام التوفيق لكل باحث عربي يساهم في إثراء العلم وكشف المزيد من أسرار "الذهب السائل".