رئيس قسم الزيوت والدهون بمعهد بحوث الصناعات الغذائية والتغذية بالمركز القومي للبحوث.
في عالمٍ تتسارع فيه الآراء قبل الحقائق، وتنتشر فيه "الوصفات السحرية" عبر مواقع التواصل أسرع من انتشار الأبحاث المحكمة، يصبح موضوع الدهون – الحيوانية منها والنباتية – ساحة جدل لا ينتهي. فريق يرفع شعار "كل الدهون الحيوانية دواء" وكأنها عصا سحرية، وفريق آخر يشيطنها تمامًا ويقدّس الزيوت النباتية بلا قيد أو شرط والعكس بالعكس. وبين هذا وذاك، تضيع الحقيقة العلمية المتوازنة، ويتأثر المستهلك البسيط بقرارات قد تضر أكثر مما تنفع.
الحقيقة التي تجمع عليها الهيئات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية (WHO) ، منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ، هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ، وهيئة سلامة الغذاء الأوروبية (EFSA)، أن لا دهون مطلقة في خيرها ولا دهون مطلقة في شرها. فالقيمة الصحية ترتبط بـ الجودة، والكمية، والسياق الغذائي العام.
كما أن الاقتصار على نوع واحد – حتى لو كان من أجود الدهون – غير ممكن واقعيًا ولا عادل اقتصاديًا:
• فالإنتاج العالمي محدود، ولا يمكن أن يغطي طلب مليارات البشر على زيت أو سمن بعينه.
• ثم إن "الموضة الغذائية" قد تناسب قلة مقتدرة، لكنها تحرم الأكثرية من بدائل متاحة واقعية.
من هنا تنبع أهمية هذا المقال: تقديم مقارنة علمية منصفة بين الدهون الحيوانية (الزبدة والسمن البقري والجاموسي) والزيوت النباتية بمختلف أنواعها، مع تفنيد المغالطات، ووضع الأمور في نصابها العلمي، بعيدًا عن المبالغة أو الشيطنة أو التقديس.
• مغذية مركّزة: غنية بفيتامينات A, D, E, K2 الضرورية للمناعة، العظام، وصحة القلب.
• استقرار حراري مرتفع: السمن يتحمل الطهي بدرجات حرارة عالية.
• نكهة مميزة: تضيف طابعًا مرغوبًا للأطباق والمخبوزات.
• غنية بالدهون المشبعة: الإفراط (أكثر من 10% من السعرات اليومية – WHO, 2023) يزيد من LDL (الكوليسترول الضار) ويرفع خطر أمراض القلب.
• محدودية الدهون غير المشبعة: لا توفر الأحماض أحادية عدم التشبع MUFA أو عديدة عدم التشبع PUFA المفيدة للقلب.
• غنية بالدهون غير المشبعة (MUFA/PUFA): تخفض LDL، ترفع HDL، وتقلل خطر أمراض القلب.
• مصدر نباتي لأوميجا-3 (ALA): مثل زيت الكتان، الجوز، والكانولا.
• خالية من الكوليسترول.
الإجابة: لا. هناك اختلافات كبيرة:
• ✅ الأفضل: الزيوت البكر الممتازة (زيت الزيتون، الأفوكادو) – غنية بمضادات الأكسدة وMUFA.
• ⚠️ المعتدلة: الزيوت المكررة عالية أوميجا-6 (دوار الشمس، الصويا، الذرة) – نافعة باعتدال، لكن الإفراط دون توازن مع أوميجا-3 قد يزيد الالتهابات.
• ❌ الأسوأ: الزيوت المهدرجة جزئيًا – تحتوي دهون متحولة، وهي محظورة عالميًا ومحليا فى مصر لارتباطها بأمراض القلب (WHO، 2018).
المعيار الدهون الحيوانية الزيوت النباتية
• العلم لا يعترف بالتطرف: لا يمكن الاعتماد على نوع واحد من الدهون.
• الموارد العالمية محدودة: لو اعتمد العالم كله على الزبدة أو زيت الزيتون، فلن تكفي الموارد، وستتضاعف الأسعار.
• العدالة الغذائية: توصيات "الموضة" الغذائية قد تصلح للمقتدرين فقط، بينما تحرم الأغلبية من بدائل صحية واقعية.
• المرجعية العلمية: WHO وFAO وEFSA وFDA تؤكد على الاعتدال والتنوع، لا الاستبعاد المطلق.
• استبدال جزئي: استبدال جزء من الدهون المشبعة بدهون غير مشبعة يقلل خطر أمراض القلب.
• الجودة أولًا: الزبدة الطبيعية أفضل من الصناعية، وزيت الزيتون البكر الممتاز أفضل من الزيوت المكررة.
• التنوع والاعتدال: إدخال مزيج من الدهون عالية الجودة ضمن نظام غذائي غني بالخضروات والفواكه والحبوب الكاملة.
إن الرسالة الأهم التي يخرج بها القارئ من هذا المقال أن الصحة لا تُبنى على ملعقة سمن أو قطرة زيت واحدة، بل على النظام الغذائي المتوازن ككل. الاعتدال، التنوع، اختيار المصادر الطبيعية عالية الجودة، وتجنّب الدهون المتحولة هي القاعدة الذهبية التي تجمع عليها كل المراجع العلمية.
ولأن قضية الغذاء تمس كل أطراف المجتمع، فإن المسؤولية موزعة بوضوح:
• المنتِجون: التزموا بالجودة، الشفافية، وعدم المبالغة التسويقية.
• المستهلكون: لا تنجرفوا وراء الشائعات، اختاروا ما يناسب ميزانيتكم وصحتكم وفق التوصيات العلمية.
• العلماء والخبراء: أنتم صوت العلم في مواجهة المبالغات، التزموا بالحقائق الموثقة.
• الإعلاميون: انقلوا المعلومة بمسؤولية، فالكلمة قد تغيّر قرارات ملايين.
• الفوود بلوجرز: تحدثوا فيما تعلمون فقط، واعتمدوا على المصادر العلمية الموثوقة، فالمتابعون يثقون بكم، وأي مبالغة قد تضر بالصحة العامة والاقتصاد معًا.
في النهاية، يظل المنهج العلمي هو الطريق الوحيد لضمان صحة الإنسان وعدالة الغذاء، بعيدًا عن الانحيازات الفردية أو "الموضات الغذائية".
فالدهون – سواء كانت حيوانية أو نباتية – ليست عدوًا ولا إكسيرًا للحياة، بل جزء من منظومة غذائية أشمل، متى أحسنّا اختيارها وتوازنّا في استهلاكها، كانت عونًا للصحة ودعمًا للاقتصاد.