.png)

رئيس قسم الزيوت والدهون بمعهد بحوث الصناعات الغذائية والتغذية بالمركز القومي للبحوث.
❓ كيف يمكن لحبة فول سوداني صغيرة – بغناها بالبروتين والزيت – أن تتحول من كنز غذائي إلى تهديد حقيقي لصحة الإنسان؟
هذا هو التحدّي العلمي؛ فالفول السوداني من أغنى المحاصيل بالزيوت والبروتينات، لكنه في الوقت نفسه من أكثرها حساسيةً للتلوث الفطري وإنتاج الأفلاتوكسين؛ ذلك السمّ الصامت الذي لا يُرى ولا يُشم، ومع ذلك يمكن أن يسبب أضرارًا جسيمة للكبد والجهاز المناعي، خاصة لدى الأطفال.
ومع أن الخطر كبير، فإن العلم لم يقف عاجزًا؛ فقد كشفت أبحاث حديثة – من بينها دراسات متقدمة – عن تقنيات واعدة لحماية الفول السوداني وزيته، منها الأغشية النانوية الصالحة للأكل والمستخلصات النباتية الطبيعية، القادرة على خفض تكوين السموم الفطرية إلى مستويات متميزة، مع الحفاظ على جودة الحبوب والزيوت ومنع تزنّخها.
ويكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة لمصر، حيث يُعد الفول السوداني محصولًا استراتيجيًا يدعم الاقتصاد القومي عبر التصدير ويدخل في صناعات غذائية حيوية، فضلًا عن دوره في تحسين خصوبة التربة وتوفير فرص عمل عبر سلسلة الإنتاج والتصنيع. لذلك تصبح المعاملات الزراعية والتصنيعية والتخزينية الجيدة مسؤولية وطنية تمس سمعة المنتج وصحة المستهلك في آن واحد.
⬅️ في هذا المقال ننطلق في رحلة علمية مبسّطة ولكن عميقة، لفهم القيمة الغذائية لزيت الفول السوداني ومنتجاته، والتحديات التي يفرضها التلوث الفطري والحساسية الغذائية، وأحدث الحلول والتقنيات لحماية هذه الثروة الغذائية وصونها للأجيال.
يعد الفول السوداني أحد أهم المحاصيل الزيتية والغذائية، ويستخدم عالميًا كمصدر رئيسي للبروتين والزيوت عالية الجودة.يُعد الفول السوداني فى مصر محصولًا استراتيجيًا يدعم الاقتصاد القومي عبر التصدير لعديد من الدول، ويدخل زيتُه وحبوبه في صناعات غذائية مهمة كالحلويات والزيوت وزبدة الفول السوداني والدكوة والأغذية الصحية.
كما يسهم هذا المحصول في تحسين خصوبة التربة وتوفير فرص عمل على امتداد سلسلة الإنتاج من الزراعة حتى التصنيع والتسويق. ومن ثم تصبح المعاملات الزراعية والتصنيعية والتخزينية الجيدة قضية وطنية تمس سمعة المنتج المصري في الخارج، وتمس قبل ذلك صحة الإنسان داخل الوطن.
يحتوي الفول السوداني على 25–30% بروتين، ويضم مجموعة مهمة من الأحماض الأمينية الأساسية، مما يرفع قيمته كغذاء يساعد على بناء العضلات وصحة الخلايا.
خصائصه:
يُعد زيت الفول السوداني من الزيوت النباتية عالية الجودة، إذ تحتوي بذوره على 45–50% زيت يتميز بتركيب غني بحمض الأوليك (Omega-9)، وهو من الدهون المفيدة لصحة القلب وخفض الكوليسترول الضار. ويُعرف هذا الزيت بقدرته الممتازة على مقاومة الأكسدة، مما يجعله خيارًا مثاليًا للطهي والاستخدامات الصناعية.
ومن أهم خصائصه العملية درجة التدخين العالية التي تصل في الزيت المكرر إلى 230–235°C، مما يتيح استخدامه في القلي العميق والطهي على درجات حرارة مرتفعة دون تكوّن مركبات ضارة أو روائح مزعجة. كما يمتاز بطعمه الخفيف الذي لا يؤثر على نكهة الطعام، وبثباته العالي خلال الاستخدام المتكرر.

زبدة الفول السوداني – أو الدُّكوة كما تُعرف في السودان – تُعد من أكثر منتجات الفول السوداني كثافةً غذائية، إذ تُحضَّر أساسًا من حبوب فول سوداني محمّصة ومطحونة دون إضافات تُذكر.
تحتوي عادةً على نحو 25% بروتين وحوالي 50% من الدهون الصحية الغنية بحمض الأوليك (Omega-9)، إلى جانب الألياف وفيتامين E ومركبات مضادة للأكسدة تدعم صحة القلب والمناعة وتساعد في مقاومة الالتهابات وسوء التغذية. ويُعد انفصال طبقة الزيت على السطح ظاهرة طبيعية تدل غالبًا على خلوّها من المثبتات الصناعية والزيوت المهدرجة.
وتُعرف عالميًا باسم Peanut Butter، وفي الدول العربية باسم زبدة الفول السوداني أو زبدة الفستق السوداني، بينما تحتل في السودان مكانة خاصة باسم الدُّكوة؛ حيث تُستخدم مع الخبز والعصيدة وبعض الأطباق الشعبية كمصدر مركّز للطاقة والبروتين، وتُعد غذاءً مفضّلًا للأطفال والرياضيين ولمن يحتاجون إلى طاقة عالية في كمية صغيرة من الطعام.
الفول السوداني حساس جدًا للإصابة بفطر Aspergillus flavus الذي ينتج الأفلاتوكسين، وهي مادة:
طرق الوقاية:تجفيف جيد، تخزين في أماكن جافة، فرز الحبوب المصابة، مراقبة مستويات السموم دوريًا.
عام 1960 نفقت آلاف من دواجن الرومي في بريطانيا بسبب علف ملوث بفول سوداني مصاب بالفطريات… ومن هنا بدأ اكتشاف الأفلاتوكسين ووضع المعايير العالمية لسلامة الغذاء.
لم يعد التعامل مع تلوث الفول السوداني بالفطريات والسموم الفطرية مجرد ممارسات تقليدية في الحقل والمخزن، بل أصبح مجالًا نشطًا للبحث العلمي والتقنيات الحديثة. أظهرت الأبحاث – ومنها دراسات شارك فيها كاتب هذا المقال أ.د عادل جبر عبد الرازق – نتائج متميزة في حماية بذور الفول السوداني ومنتجاته بالاعتماد على:
ويتكامل هذا التقدّم العلمي مع منظومة من إجراءات الحماية والوقاية المعتمدة دوليًا للمحافظة على بذور الفول السوداني، تتبنّاها منظمات مثل الفاو (FAO) وCodex Alimentarius، من أهمها:
وبهذا تتكامل الحلول البحثية الحديثة (الأغشية النانوية والمستخلصات النباتية) مع الممارسات الجيدة في الزراعة والتجفيف والتخزين والفحص لتشكّل معًا منظومة حماية متكاملة، تضمن أن يبقى الفول السوداني ثروة غذائية آمنة بدلًا من أن يتحول إلى تحدٍّ صحي خطير.
الفول السوداني من أكثر مسببات الحساسية الغذائية شيوعًا عالميًا، وتحدث الحساسية نتيجة رد فعل مناعي شديد تجاه البروتينات الموجودة في الحبة.
هل يسبب زيت الفول السوداني الحساسية؟
أعراض الحساسية:
ماذا يجب فعله؟
الأبحاث الحالية تؤكد: الفول السوداني وزيته ثروة غذائية وصحية واقتصادية، لكنها مهددة بالفطريات والسموم الفطرية… والبحث العلمي هو خط الدفاع الأول لحمايتها.
الفول السوداني وزيته ثروة غذائية عظيمة – لكنه شديد الحساسية للمخاطر؛ يجمع بين بروتين ودهون صحية تدعم النمو وتحارب سوء التغذية، وفي الوقت نفسه يتهدده سم الأفلاتوكسين الفطري الخفي، والحساسية الغذائية كخطر على بعض المستهلكين.
ولذلك فإن صيانته ليست خيارًا، بل واجب علمي وعملي: زراعة وتجفيف وتخزين منضبط، تقنيات حديثة للحد من السموم، فحص مخبري مستمر، وتوعية للمستهلك… لأن سلامة الفول السوداني جزء من سلامة الغذاء والاقتصاد وصحة الإنسان.