يُعتبر إنتاج زيت النخيل حجر الزاوية للقطاع الزراعي في كل من ماليزيا وإندونيسيا، وهما من أكبر المنتجين على مستوى العالم. ومع ذلك، ظل هذا القطاع موضع جدل واسع على مدى العقدين الماضيين بسبب التغييرات غير المباشرة في استخدام الأراضي التي قد يسببها التوسع في زراعته.
تواجه حكومتا ماليزيا وإندونيسيا تحديًا كبيرًا في معالجة القضايا البيئية والاجتماعية المرتبطة بزراعة نخيل الزيت، دون الإضرار بمصالح الملايين الذين يعتمدون عليه كمصدر أساسي للرزق.
في هاتين الدولتين، يلعب صغار المزارعين دورًا حيويًا، حيث يمثل زيت النخيل مصدر دخل رئيسيًا للعديد من الأسر الريفية التي تفتقر إلى بدائل عمل أخرى. وتشير الإحصاءات إلى أن 42% من إجمالي الأراضي المزروعة بزيت النخيل مملوكة لصغار المزارعين، والذين يساهمون بحوالي 34% من الإنتاج الإندونيسي.
يساهم قطاع زيت النخيل بمليارات الدولارات سنويًا في الاقتصاد الوطني لكل من ماليزيا وإندونيسيا، ويوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لقطاع واسع من السكان.
في إندونيسيا وحدها، تُقدّر وزارة الزراعة أن عدد العاملين في قطاع نخيل الزيت يبلغ حوالي 16.5 مليون شخص، منهم 9.7 مليون موظف يعملون بشكل مباشر ضمن سلسلة إنتاج زيت النخيل، إضافةً إلى ملايين آخرين يعملون بشكل غير مباشر في النقل والتوريد والدعم اللوجستي.
توضح البروفيسورة ديانا تشليل، من جامعة سومطرة الشمالية، أن إنتاج زيت النخيل يُعدُّ مصدر الدخل الأساسي لنحو 16.5 مليون أسرة إندونيسية، معظمها في المناطق الريفية، مما يجعله عاملًا رئيسيًا في تنميتها وتحسين مستوى المعيشة فيها.
وتشير التقديرات إلى أن القيمة الإجمالية لإنتاج القطاع في 2023 بلغت نحو 62.9 مليون دولار، بينما بلغت قيمة الصادرات في 2024 حوالي 10.8 مليار دولار، وهو ما يمثل أكثر من 70% من قيمة الصادرات الزراعية الإندونيسية.
تُعزى زيادة الإنتاج خلال السنوات الأخيرة إلى جهود حكومية، منها تمويل برامج إعادة الزراعة لصغار المزارعين، وتعزيز الشراكات مع الشركات التي تقدم التدريب والممارسات الزراعية الجيدة.
رغم الفوائد الاقتصادية الكبيرة، يواجه القطاع انتقادات متزايدة بسبب ارتباطه بإزالة الغابات وفقدان المواطن الطبيعية لبعض الأنواع وتهجير بعض المجتمعات المحلية. إلا أن حكومتي ماليزيا وإندونيسيا تُظهران التزامًا متزايدًا بالتحول نحو ممارسات أكثر استدامة.
وقد التزمت الدولتان بأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة لعام 2030، خاصةً في ما يتعلق بالقضاء على الفقر، وتعزيز النمو الاقتصادي، وضمان الإنتاج والاستهلاك المسؤول.
يظل زيت النخيل من المحاصيل الحيوية للحد من الفقر في المناطق الريفية بفضل دورة زراعته القصيرة وإنتاجيته العالية، لكن تحقيق الاستدامة يتطلب تبني أنظمة شهادات موثوقة، وتطبيق معايير صارمة لحماية البيئة، وضمان احترام حقوق المجتمعات المحلية.
تحذر ديانا تشليل من أن فقدان قطاع زيت النخيل سيكون له آثار اقتصادية جسيمة، ليس فقط على ماليزيا وإندونيسيا، بل أيضًا على الدول المستهلكة. إذ يُشكل القطاع حوالي 80% من السوق العالمية، وتستخدم شركات السلع الاستهلاكية الكبرى حوالي 3.4 مليون طن متري من زيت النخيل في منتجاتها الغذائية.
وقد يؤدي غياب الموردين الرئيسيين إلى نقص في الإمدادات، وزيادة أسعار الغذاء، وتسارع البحث عن زيوت بديلة قد تكون آثارها البيئية والاقتصادية غير واضحة المعالم.
من الناحية الفورية، سيؤدي فقدان زيت النخيل إلى انخفاض حاد في دخل ملايين المزارعين والعاملين في سلسلة الإنتاج. كما ستتضرر الصناعات المرتبطة مثل الكيماويات الأولية والديزل الحيوي.
أما على المدى الطويل، فإن خسارة إيرادات التصدير ستؤثر سلبًا على ميزان المدفوعات واستقرار العملة، وقد تزيد من الاعتماد على الواردات، مما يؤدي إلى التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، وتفاقم مستويات الفقر والنزوح في المناطق الريفية.
رغم وجود جهود لتنويع مصادر الدخل، سيظل زيت النخيل ركيزة أساسية في المدى القريب. وغيابه قد يُبطئ النمو الاقتصادي ويضعف المجتمعات الزراعية ويؤثر على قطاعات مرتبطة مثل المعالجة والخدمات اللوجستية والبحث العلمي.
وبينما تُحفز المخاوف البيئية إصلاحات جادة داخل الصناعة، فإن فقدان القطاع بالكامل سيشكل تحديات جسيمة للتنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي وسلاسل الإمداد العالمية.
إن التوازن بين الممارسات المستدامة والحفاظ على الاعتماد الاقتصادي على زيت النخيل سيكون ضرورة ملحة في المستقبل، لضمان تنمية اقتصادية شاملة دون المساس بصحة البيئة وحقوق المجتمعات.
المصدر: euractiv