جهاز الرنين المغناطيسي النووي وقياس نسبة المواد الصلبة في الزيوت والدهون

تاريخ النشر:
November 20, 2025
أخر تعديل:
November 20, 2025

مدير الجودة والبحوث والتطوير شركة القاهرة لاستخلاص وتكرير الزيوت

يُعد جهاز الرنين المغناطيسي النووي منخفض الدقة (Low-Resolution NMR) حجر الزاوية في مختبرات الجودة بمصانع السمن والمارجرين وزيوت المقصرات (Shortening). تكمن أهميته في قدرته على قياس نسبة المواد الصلبة في الدهون (Solid Fat Content - SFC) خلال ثوانٍ معدودة؛ وهي خاصية فيزيائية تؤثر بشكل مباشر وحاسم على جودة المنتج النهائي من حيث:

  • اللدونة (Plasticity).
  • القدرة على الفرد (Spreadability).
  • الإحساس بالفم (Mouthfeel).

ورغم سرعة ظهور النتائج، فإن المبدأ الفيزيائي الذي يعمل به الجهاز يتسم بشيء من التعقيد. في السطور التالية، نقدم شرحاً مبسطاً ودقيقاً لمكونات الجهاز وفكرة عمله.

أولاً: المكونات الرئيسية للجهاز

يتكون جهاز الـ NMR المستخدم في هذا النوع من القياسات من أربع وحدات رئيسية تتكامل فيما بينها:

  1. المغناطيس الرئيسي (Main Magnet):
  2. هو مغناطيس ثابت عالي الشدة (يبدأ عادة من 20 ميجاهرتز فأكثر)، وظيفته توفير مجال مغناطيسي مستقر ودقيق لمحاذاة أنوية الهيدروجين داخل العينة.
  3. ملفات التردد الراديوي (RF Coils):
  4. هذه الملفات مسؤولة عن إرسال النبضات الراديوية (Pulses) إلى العينة لتحفيز أنوية الهيدروجين، ثم استقبال الإشارة المرتدة (Signal) منها بعد تفاعلها مع المجال المغناطيسي.
  5. نظام التحكم في درجة الحرارة (Tempering System):
  6. وحدة حيوية تعمل على ضبط وتثبيت حرارة العينة بدقة متناهية عند درجة القياس المطلوبة؛ نظراً لأن نسبة المواد الصلبة في الزيوت حساسة جداً للتغيرات الحرارية.
  7. وحدة المعالجة الإلكترونية:
  8. العقل المدبر للجهاز، حيث تتولى التشغيل والتحكم في المكونات، بالإضافة إلى معالجة الإشارات المستقبلة وتحويلها إلى قراءة رقمية تمثل نسبة الدهون الصلبة (%SFC).

ثانياً: فكرة العمل ومبدأ القياس

1. خاصية العزم المغناطيسي (Nuclear Spin)

يعتمد الجهاز على الفيزياء الخاصة ببعض الذرات. فالنوى التي تحتوي على عدد فردي من البروتونات (مثل الهيدروجين) تمتلك دوراناً نووياً (Spin)، وينتج عن هذا الدوران مجال مغناطيسي صغير يجعل النواة تتصرف كما لو كانت مغناطيساً دقيقاً.

ولأن ذرات الهيدروجين مكون أساسي في الكيمياء العضوية (والزيوت والدهون خاصة)، يعتمد الجهاز على بروتون الهيدروجين الذي يمتلك مجالاً مغناطيسياً واضحاً.

2. التوافق مع المجال المغناطيسي

عند إدخال العينة إلى الجهاز، تتعرض أنوية الهيدروجين (المغناطيسات الدقيقة) لمجال مغناطيسي قوي ($B$)، فتميل للانتظام في اتجاه موازٍ للمجال وتبدأ في الدوران حول محوره ($Z-axis$) بتردد محدد يُسمى "تردد لارمور" (Larmor frequency)، والذي يعتمد طردياً على شدة المجال المغناطيسي.

3. النبضة الراديوية والرنين

يطلق الجهاز نبضة راديوية قوية بتردد مساوٍ لتردد "لارمور"، بطاقة كافية لقلب المحصلة المغناطيسية للنوى بزاوية 90 درجة إلى المستوى ($XY$). هنا تدخل الأنوية في حالة "رنين"، وتصبح متزامنة في الطور (Phase Coherence)، فتدور جميع البروتونات في نفس الاتجاه واللحظة، مما يولد مجالاً مغناطيسياً متذبذباً يُحفّز تياراً كهربائياً في ملف الاستقبال.

4. التلاشي الحر (FID)

بمجرد توقف النبضة، تبدأ الأنوية في فقدان التزامن تدريجياً (Dephasing) وتعود لوضع التوازن بمحاذاة المجال الرئيسي. خلال هذه العودة، يتناقص التيار الكهربائي الناتج تدريجياً، وتُعرف هذه الإشارة باسم "الإشارة الحرة المتلاشية" (FID – Free Induction Decay).

ثالثاً: الفرق بين الدهون الصلبة والسائلة في القراءات

يميز الجهاز بين الحالة الصلبة والسائلة بناءً على سرعة فقدان الإشارة (زمن الاسترخاء):

  • في الدهون الصلبة: تكون الحركة الجزيئية مقيدة جداً، لذا تفقد الأنوية تزامنها بسرعة هائلة، ويكون زمن الاسترخاء العرضي ($T_2$) قصيراً جداً (حوالي 10 ميكروثانية).
  • في الدهون السائلة: تكون الجزيئات أكثر حرية، فيحدث الاسترخاء ببطء، ويكون زمن ($T_2$) أطول (قد يصل إلى 1000 ميكروثانية).

يستغل الجهاز هذا التباين الكبير في قيم ($T_2$) للفصل بين إشارات الجزء الصلب والسائل وحساب نسبة SFC بدقة.

رابعاً: زمن الإخماد (Dead Time) ودقة القياس

حماية الجهاز:

عند إطلاق النبضة الراديوية عالية الطاقة، يتوقف الجهاز عن استقبال الإشارات لفترة قصيرة جدًا (لا تتجاوز عادة 10 ميكروثانية) تُعرف بـ "زمن الإخماد" (Dead Time). هذا التوقف ضروري لحماية دوائر الاستقبال الحساسة من التلف أو التشبع بالطاقة العالية.

تعويض الإشارة المفقودة:

خلال زمن الإخماد، تكون إشارة الدهون الصلبة قد بدأت بالتلاشي بالفعل (بسبب قصر زمن $T_2$)، مما يعني أن جزءاً كبيراً من بيانات "الصلب" يقع في المنطقة غير المقروءة.

لحل هذه المشكلة:

  1. يبدأ الجهاز التسجيل بعد انتهاء زمن الإخماد مباشرة (عند 11 ميكروثانية مثلاً)، حيث تكون الإشارة خليطاً من الصلب والسائل.
  2. يستخدم الجهاز معامل معايرة (Calibration Factor) لتعويض الجزء المفقود حسابياً، ويتم ضبط هذا المعامل يومياً باستخدام مواد مرجعية معتمدة.
  3. يأخذ الجهاز قراءة ثانية عند زمن أطول (مثل 70 ميكروثانية) حيث تكون إشارة الصلب قد اختفت تماماً وتبقى إشارة السائل فقط.
  4. بطرح إشارة السائل من الإشارة الكلية (بعد التعويض)، نحصل على إشارة الصلب الصافية وتحسب الوحدة الإلكترونية النسبة المئوية.

خامساً: المعايرة وتجهيز العينة وتأثيرهما على النتائج

لضمان دقة النتائج، يعتمد التحليل على ركيزتين أساسيتين:

1. المعايرة (Calibration):

  • المعايرة اليومية (Daily Validation): تتم داخل المختبر باستخدام عينات قياسية لتعويض الإشارات الضائعة في زمن الإخماد وضمان صحة قراءات الـ SFC.
  • المعايرة الخارجية (External Calibration): تتم بواسطة جهة مختصة (سنوياً أو نصف سنوي) لضبط حرارة الجهاز، تردد الرنين، زمن الإخماد، وحساسية الملفات.

2. تجهيز العينة (Sample Preparation):

يجب تحضير العينة باحترافية لضمان تبلور الدهن في الشكل البلوري المستقر $\beta'$ (Beta-prime):

  • تُذاب العينة تماماً لمسح "ذاكرة الدهن" (Fat Memory) وإزالة أي بلورات سابقة.
  • يتم تكييف العينة وتبريدها عند 0 درجة مئوية لمدة ساعة (أو حسب الطريقة القياسية) للوصول للاستقرار البلوري.

تنبيه: إذا لم تتم هذه العملية بدقة، قد تتكون بلورات $\alpha$ (منخفضة الانصهار) أو $\beta$ (عالية الانصهار) نتيجة ظاهرة تعدد الأشكال البلورية (Polymorphism)، مما يغير زمن الاسترخاء ($T_2$) ويعطي نتائج SFC غير دقيقة.

أقرأ إيضا

النشرة البريدية

تواصل معانا وتابعنا على منصات التواصل الإجتماعي

Tiktok logolinkedin logoinstagram logofacebook logoyoutube logoX logoEmail icon
.Copyright Zyotwdhon. All Rights Reserved ©