كيف فقدت نيجيريا مكانتها كأكبر منتج لزيت النخيل في العالم

تاريخ النشر:
June 24, 2025
أخر تعديل:
June 24, 2025

تُعد نيجيريا خامس أكبر منتج لزيت النخيل في العالم، على الرغم من أنها كانت تحتل المرتبة الأولى سابقًا. فعلى الرغم من كونها منتجًا رئيسيًا، يعتمد سكانها على استيراد زيت النخيل، وهو ما يعكس تاريخًا فقدت فيه نيجيريا سوق زيت النخيل العالمي لصالح دول جنوب شرق آسيا.

من خمسينيات حتى سبعينيات القرن الماضي، كانت نيجيريا أكبر منتج ومُصدّر لزيت النخيل في العالم؛ حيث كانت تنتج ما يفوق الطلب المحلي وتمثل 40% من السوق العالمي لزيت النخيل. في تلك الفترة، كان القطاع الزراعي هو المحرك الرئيسي للاقتصاد ومصدر التصدير الأساسي للدولة. إلى جانب زيت النخيل، كانت نيجيريا تنتج الفول السوداني، والكاكاو، والكسافا، وغيرها من المحاصيل بكميات ضخمة. وخلال تلك الحقبة الذهبية، كانت نيجيريا تهيمن بسهولة على تجارة زيت النخيل العالمية. أما اليوم، فقد اختفت هذه الهيمنة؛ إذ انخفضت حصة نيجيريا من الإنتاج العالمي من أكثر من 40% في السبعينيات إلى أقل من 2% في عام 2024، وفقًا لبيانات وزارة الزراعة الأمريكية.

وفي عام 2024، كشف رئيس الجمعية الوطنية لمنتجي زيت النخيل في نيجيريا، ألفونسوس إنيانغ، أن نيجيريا تنفق 600 مليون دولار سنويًا على استيراد زيت النخيل. وأظهرت تقارير التجارة الخارجية الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء أن زيت النخيل الخام ومشتقاته يتصدران واردات نيجيريا الزراعية، بقيم تتجاوز 100 مليار نايرا سنويًا.

المجد السابق: كيف أصبحت نيجيريا رائدة عالميًا في إنتاج زيت النخيل

كان صعود نيجيريا في الستينيات كأكبر منتج لزيت النخيل عالميًا نتيجةً لتوافر الموارد الطبيعية وسياسات الاستعمار الزراعية. فقد ساعد المناخ الاستوائي في نمو أشجار نخيل الزيت (Elaeis guineensis) طبيعيًا في المناطق الجنوبية للبلاد، مما وفر الغذاء والدخل للمزارعين في المجتمعات الريفية. وكان جزء كبير من زيت النخيل المنتج خلال القرن العشرين يأتي من الغابات البرية وليس من مزارع منظمة.

وأوضح الدكتور سيليستين إكيونوب، المدير التنفيذي للمعهد النيجيري لأبحاث نخيل الزيت (NIFOR)، في مؤتمر علمي أن الحكومة الاستعمارية أسست المعهد في عام 1939 كمحطة أبحاث لتطوير إنتاج نخيل الزيت ضمن وزارة الزراعة، بهدف زيادة الإنتاج من الغابات البرية. وفي عام 1951، توسع نطاق المحطة ليشمل مستعمرات غرب إفريقيا البريطانية الأخرى، مما أدى إلى إنشاء معهد أبحاث نخيل الزيت لغرب إفريقيا (WAIFOR).

وبحلول الستينيات، أصبحت نيجيريا زعيمة العالم في إنتاج زيت النخيل وتمتلك أغنى مخزون وراثي لنخيل الزيت، ما جذب وفودًا من دول عديدة لزيارة العملاق الوليد في غرب إفريقيا.

التراجع

ثم جاء عصر النفط. فقد وصف وزير النفط الفنزويلي الأسبق خوان بابلو ألفونزو النفط الأحفوري بأنه «براز الشيطان». اكتُشف النفط الخام في دلتا النيجر عام 1958، وحصلت شركة شل على ترخيص لبدء الحفر على نطاق واسع. وبحلول منتصف السبعينيات، وبعد نحو 15 عامًا فقط، زاد الإنتاج من نحو 5 آلاف إلى أكثر من مليوني برميل يوميًا. جلب هذا الازدهار الثروة الهائلة لنيجيريا، فأصبحت أغنى دولة في إفريقيا وضمن أغنى دول العالم، وارتفعت إيراداتها بأكثر من 50% لتصل إلى مستوى قياسي قدره 5.3 مليار نايرا في عام 1976.

وعدت الحكومة بتطوير هائل للبنية التحتية وتوفير الكهرباء وتحسين مستوى المعيشة، لكن ما حدث كان عقودًا من الفساد وسوء الإدارة المالية. وقد أدى ازدهار النفط إلى تحويل تركيز الحكومة عن القطاعات الأخرى. ومع هذا التحول، تم إهمال الزراعة، فتراجع إنتاج زيت النخيل بشكل حاد. لم تُستبدل أشجار نخيل الزيت المسنّة، وتُرك صغار المزارعين دون دعم، وتلاشت السياسات والأبحاث الموروثة من الحقبة الاستعمارية. ودخل قطاع زيت النخيل في نيجيريا في مرحلة ركود طويلة الأمد.

دور الحرب الأهلية النيجيرية

يعتقد خبراء منظمة الأغذية والزراعة أن الحرب الأهلية النيجيرية (1967–1970) لعبت دورًا في تراجع قطاع زيت النخيل. فقد كانت صناعة زيت النخيل متركزة في المناطق الجنوبية الاستوائية، خصوصًا الجنوب الشرقي والجنوب الجنوبي. وتشير الدراسات إلى أن ذروة الحرب في أواخر الستينيات وبداية 1970 شهدت تدمير أو هجر العديد من مزارع نخيل الزيت في هذه المناطق.

وبعد الحرب، لم تُرمم معظم هذه المزارع ولم تُزرع أشجار جديدة، مما ساهم مع ثروة النفط المكتشفة حديثًا في إنهاء عصر ازدهار صناعة زيت النخيل بحلول أواخر السبعينيات.

سيطرة إندونيسيا وماليزيا

اليوم، تهيمن إندونيسيا وماليزيا على السوق العالمي لزيت النخيل، حيث تنتجان أكثر من 80% من المعروض العالمي. في عام 2024، أنتجت إندونيسيا وحدها 46 مليون طن متري (59% من الإنتاج العالمي)، تلتها ماليزيا بـ 18.7 مليون طن متري (24%). أما نيجيريا، التي تحتل حاليًا المرتبة الخامسة، فقد أنتجت 1.5 مليون طن متري فقط، أي نحو 2% من الإنتاج العالمي.

حين كانت نيجيريا تتصدر الإنتاج في الستينيات والسبعينيات، كانت دول جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا وتايلاند إما لم تبدأ الإنتاج التجاري بعد أو كانت متأخرة جدًا في الإنتاج.

وتُظهر بيانات المكتب الوطني للإحصاء أن نيجيريا تستورد من هذه الدول ومن غانا وساحل العاج — وهما دولتان إفريقيتان تنتجان كميات أقل من نيجيريا. وغالبًا ما يُقال إن ماليزيا أخذت بذور نخيل الزيت من نيجيريا لتبدأ صناعتها الخاصة. ومع أن هذه القصة كُشف أنها أسطورة، يوضح الخبراء أن ماليزيا استغلت أبحاث نيجيريا المبكرة وتنوعها الوراثي الغني في نخيل الزيت. وبحسب الدكتور إكيونوب، بينما كانت لدى نيجيريا موارد وراثية ضخمة، كانت ماليزيا وإندونيسيا تفتقران إليها، لذلك زارتا نيجيريا للحصول على الموارد الوراثية وتبادل المواد الزراعية.

وفي حين استمرت نيجيريا في الاعتماد على الغابات البرية والمزارعين الصغار، قامت دول جنوب شرق آسيا بتحديث صناعة زيت النخيل وقدمت رؤوس أموال وحوافز للمزارعين لتوسيع الإنتاج. أما في نيجيريا، فقد حُرم مزارعو نخيل الزيت من التمويل والدعم.

المزارعون النيجيريون يلجؤون لـ«السوبر جين» الماليزي

اليوم، اتجه العديد من المزارعين النيجيريين الصغار إلى استخدام صنف نخيل الزيت الماليزي المحسّن وراثيًا وعالي الإنتاجية، المعروف باسم «السوبر جين» الماليزي، لزيادة الإنتاجية. ويقولون إن هذا الصنف ينمو بسرعة أكبر ويُنتج ثمارًا أكثر مقارنةً بالصنف المحلي النيجيري المعروف باسم «تيرينا». يقول فيكتور باسي، صاحب شركة تريبولي أويل المحدودة في مدينة بنين: «معظم البذور التي نستخدمها مستوردة من ماليزيا. هذا هو السوبر جين الماليزي.» ووصف الصنف بأنه قصير القامة لكنه ينمو بسرعة ويعطي محصولًا أعلى من تيرينا.

يوظف باسي نحو 12 شخصًا في مشروعه الذي يشمل معملًا للتكرير ومشتلًا زراعيًا. ودعا إلى زيادة الاستثمار في الزراعة والتصنيع لتعزيز الإنتاج المحلي في نيجيريا. وأوضح أن التغيرات المناخية تؤثر أحيانًا على زراعة نخيل الزيت، خاصة في مرحلة المشتل. وأعرب عن أسفه لتقلب أسعار زيت النخيل الخام (CPO)، الذي تتم معالجته وتكريره لإنتاج زيت النخيل القابل للأكل، وقال:

«من التحديات التي نواجهها هنا هو المناخ. وهناك أيضًا تحدٍ آخر هو سعر CPO. لم يكن السعر مستقرًا منذ فترة. نشتري CPO محليًا لكن عوامل مثل تكاليف النقل تؤثر علينا. أحيانًا حتى الطعام الذي نوفره للعمال أصبح مكلفًا. لا أحد يريد تشغيل عمل تجاري خاسر.»

وأشار مزارعون آخرون إلى تحديات إضافية مثل ضعف الدعم الحكومي، وصعوبة الحصول على الأراضي، ونقص رأس المال.

جهود إنعاش صناعة زيت النخيل في نيجيريا

انخفض إنتاج زيت النخيل في نيجيريا إلى 1.12 مليون طن متري في عام 2018، ما أثار قلقًا وطنيًا. وفي عام 2019، أطلق البنك المركزي النيجيري (CBN) مبادرة تطوير نخيل الزيت لعكس هذا التراجع وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

وأكد البنك المركزي أن نيجيريا كانت تنفق ملايين الدولارات سنويًا على استيراد زيت النخيل، ما يزيد الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي. استهدفت المبادرة إنشاء 100 ألف هكتار من المزارع على المدى القصير و500 ألف هكتار على المدى الطويل. وقد مُنح أصحاب الحيازات الصغيرة والمزارعون التجاريون والمصنعون قروضًا منخفضة الفائدة وطويلة الأجل. بالإضافة إلى ذلك، قيد البنك المركزي الوصول إلى النقد الأجنبي لتمويل واردات زيت النخيل.

وبحسب التقارير، تعاون البنك مع إحدى عشرة ولاية في المناطق الجنوبية الشرقية والجنوبية الجنوبية لتنفيذ المشروع. وقد ساهمت الولايات بتخصيص مساحات من الأراضي للزراعة، بينما شارك مستثمرون من القطاع الخاص مثل شركات Presco Plc وOkitipupa Oil Palm Ltd وOkomu Oil Palm Plc في المبادرة. وكان الهدف هو زيادة إنتاج زيت النخيل في نيجيريا بشكل كبير خلال ثلاث إلى خمس سنوات.



المصدر: The Republic

أقرأ إيضا

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي

Tiktok logolinkedin logoinstagram logofacebook logoyoutube logoX logo

تواصل معنا

Email icon
.Copyright Zyotwdhon. All Rights Reserved ©