عندما يفكر الناس في الرياضة في اليونان القديمة، فإن أول ما يتبادر إلى أذهانهم هو الألعاب الأولمبية.
وهذا أمر مفهوم، لأن هذه الألعاب هي التي ألهمت نسختنا الحديثة من الأولمبياد.
فقد احتفل اليونانيون القدماء بألعابهم الأولمبية لما يقرب من ألف عام.
وقد جذبت تلك الألعاب رياضيين من ألف دولة-مدينة يونانية منتشرة في حوض البحر المتوسط.
كانت تلك الألعاب الأولمبية، تمامًا مثل ألعابنا الحديثة، أكبر حدث رياضي في العالم.
ولذا، فإن تركيزنا على هذا المهرجان الذي يُقام كل أربع سنوات تكريمًا للإله زيوس، حاكم الآلهة، أمر مفهوم تمامًا.
لكن ما لا يدركه كثيرون هو أن الألعاب الأولمبية لم تكن سوى جانب واحد من جوانب الرياضة في اليونان القديمة.
فقد كانت جزءًا من دورة رياضية دولية تُعرف باسم "الدورة الكبرى" (periodos)، والتي شملت أيضًا ثلاث مهرجانات أخرى تُقام في كورنث ونيميا ودلفي.
وكانت كل مدينة يونانية تقريبًا تُقيم مهرجانها الرياضي الخاص.
وقد سُجلت مئات من هذه الألعاب المحلية.
وكان التعليم التقليدي للذكور يشمل تدريبات على الألعاب الشائعة بين كل تلك المهرجانات.
ولذا كانت الرياضة في اليونان القديمة نشاطًا تنافسيًا وتعليميًا في آنٍ واحد.
أكبر تلك الألعاب المحلية كانت "الباناثيني الكبرى" (Great Panathenaea).
وقد نظمتها أثينا الديمقراطية القديمة كل أربع سنوات تكريمًا للإلهة الراعية لها "أثينا"، ابنة زيوس.
ورغم كونها مهرجانًا محليًا، فقد كانت الباناثيني الكبرى تضاهي الألعاب الأولمبية في أهميتها.
بلغت ذروة كلا المهرجانين في القرن الرابع قبل الميلاد، حيث أنفقت أثينا 650 كيلوجرامًا من الفضة على كل دورة من الباناثيني الكبرى.
ولهذا السبب، كانت تلك الألعاب تشمل ضعف عدد المنافسات مقارنة بالألعاب الأولمبية، وتستمر لمدة مضاعفة.
كما احتفل الأثينيون بها لألف عام أيضًا.
لكن كانت هناك ثلاثة فروقات كبيرة بين الألعاب الأولمبية وألعاب أثينا:
في الألعاب الأولمبية، كانت الجوائز رمزية فقط: أكاليل من أوراق الزيتون.
أما في أثينا، فقد منحوا الفائزين جرارًا ضخمة مصنوعة خصيصًا لكل دورة، تُسمى "أمفورات باناثينيك".
كانت هذه الأمفورات تُزيَّن بصورة الإلهة أثينا على أحد الجانبين، ومشهد رياضي على الجانب الآخر.
وقد وُجدت هذه الجرار في جميع أنحاء حوض المتوسط، مما يدل على أن المشاركين كانوا دوليين كما في الألعاب الأولمبية.
لكن الجائزة الحقيقية لم تكن الجرار بحد ذاتها، بل ما كان بداخلها: زيت الزيتون.
كان الفائزون يحصلون على كميات مذهلة من الزيت. فقد وُزع في كل دورة 2100 أمفورا، سعة كل واحدة 36 لترًا.
مما يعني أن مجموع ما تم توزيعه في الدورة الواحدة تجاوز 75,000 لتر من زيت الزيتون!
سبب هذه الكميات يعود إلى الأسطورة التي تقول إن أثينا نافست عمّها بوسيدون لتكون الإلهة الحامية للمدينة.
خلق بوسيدون ينبوعًا مالحًا، أما أثينا فأظهرت أول شجرة زيتون في العالم.
وبما أن زيوس اعتبر الزيتون أكثر نفعًا من الماء غير الصالح للشرب، فقد اختار أثينا كفائزة.
وقد اكتُشف لاحقًا أن أصل هذه الفعاليات يعود إلى أسطورة أخرى تقول إن زيوس عندما أصبح حاكمًا للآلهة، حارب العمالقة بمساعدة أثينا، التي كانت أفضل محاربيه.
لذا كانت فعالية "الأبوباتيس" محاكاة لطريقتها في القتال، أما "البيريخي" فكانت الرقصة التي ابتكرتها احتفالًا بالنصر.
كانت هناك مسابقات مخصصة لسلاح الفرسان، ومعارك وهمية بين وحدات الخيالة، وسباقات سفن حربية، ومنافسات جماعية تظهر الشجاعة الرجولية.
وكان موكب الباناثيني الكبرى (البومبي) يُظهر آلاف الجنود والخيالة وهم يقدمون أسلحة كقرابين لأثينا.
وكان الأثينيون يرون أنفسهم "أبناء أثينا"، ويؤمنون أنهم مثلها، أفضل المحاربين، وبفضلها سيحققون النصر دائمًا.
المصدر: mirage