.png)

رئيس قسم الزيوت والدهون بمعهد بحوث الصناعات الغذائية والتغذية بالمركز القومي للبحوث.
ليست كل الكنوز تُستخرج من باطن الأرض… بعضها ينمو فوق الرمال. من بين غصون الشجرة المباركة، يشرق زيت الزيتون وأوراقه كمنظومة غذاء وعلاج أخضر، تحمل في كل قطرة وورقة وعدًا بالحياة والصحة والخلود.
الاستثمار في زيت الزيتون لا يقتصر على كونه غذاءً راقيًا ودواءً وقائيًا؛ بل هو منظومة متكاملة تتجاوز حدود الزيت لتشمل كنوزًا أخرى لا تقل قيمة. فأوراق الزيتون – التي سنفرد لها هذا المقال – تمثل أحد أهم النواتج الثانوية للشجرة المباركة، وقد أثبتت قيمتها كمكمل غذائي وعلاجي، يجمع بين جذور الطب الشعبي وأسس العلم الحديث.
ولا يقف الأمر عند الأوراق فحسب، بل يمتد إلى الكسب المتخلف بعد العصر (Pomace)، وهو كنز آخر يخفي أسرارًا صناعية وصحية واقتصادية كبيرة، وسنفرد له مقالًا مستقلًا لنكشف ما يحمله من إمكانات مضافة لصناعة الزيتون.
شجرة الزيتون المباركة ليست مجرد رمز ديني أو تراثي، بل هي مخزن عظيم للغذاء والدواء. زيتها البكر الممتاز عُرف منذ القدم كأحد أرقى الأغذية وأكثرها فائدة للصحة والوقاية. لكن مع أن الزيت هو المنتج الأشهر، فإن للشجرة عطية أخرى لا تقل قيمة: أوراق الزيتون، التي أثبتت أنها مكمل غذائي فريد يدعم ما يقدمه الزيت من فوائد، ويضيف إليه بُعدًا علاجيًا كان معروفًا في الطب الشعبي القديم وتؤكده الأبحاث الحديثة اليوم.
زيت الزيتون لم يكن يومًا مجرد دهن للطعام، بل هو منظومة متكاملة للغذاء والوقاية والعلاج. فهو مصدر للطاقة الصحية بفضل أحماضه الدهنية الأحادية غير المشبعة، ويحمل مركبات مضادة للأكسدة تحمي القلب والشرايين وتبطئ الشيخوخة. إنه غذاء يومي ودواء وقائي في آن واحد، يجسد معنى "العلاج الأخضر" الذي يجمع بين متعة المذاق وفلسفة الصحة المستدامة.
- المصريون القدماء: استخدموها في التحنيط لما لها من خصائص مضادة للبكتيريا والفطريات، كما دخلت في وصفات علاجية.
- اليونان القديمة: وصفها أبقراط لعلاج الحمى ومشاكل الهضم.
- الطب العربي والإسلامي: أشار ابن سينا إليها كوسيلة مساعدة لضبط ضغط الدم وتنظيم السكر.
- الأوليوروبين (Oleuropein): مضاد أكسدة قوي، يساعد على حماية الخلايا واستقرار ضغط الدم.
- هيدروكسي التيروسول (Hydroxytyrosol): من أقوى مضادات الأكسدة الطبيعية، له خصائص مضادة للالتهابات.
- الفلافونويدات والتربينات: تعزز المناعة وتقاوم الميكروبات والفيروسات.
هذه التركيبة تجعل أوراق الزيتون أكثر من مجرد شاي عشبي؛ إنها مكمل غذائي ذو تأثير بيولوجي معتبر.
الدراسات المعملية والإكلينيكية المبكرة تشير إلى فوائد واعدة:
1. دعم القلب والأوعية الدموية: خفض ضغط الدم والكوليسترول الضار.
2. تنظيم السكر: تحسين حساسية الإنسولين وضبط الجلوكوز.
3. تعزيز المناعة: نشاط مضاد للبكتيريا والفيروسات والفطريات.
4. مكافحة الأكسدة: حماية الخلايا من التلف وتقليل الالتهابات.
⚠️ تنبيه: الاختبارات العلمية على البشر محدودة، لذا يُعتبر عاملًا مساعدًا لا بديلًا عن العلاج الطبي.
الاستخدام غير المدروس قد يسبب مشكلات خطيرة:
- مرضى السكري: قد يؤدي إلى هبوط حاد في السكر مع الأدوية الخافضة.
- مرضى الضغط: يزيد خطر انخفاض الضغط عند دمجه مع أدوية الضغط.
- مضادات التخثر: يرفع خطر النزيف.
- قبل العمليات الجراحية: يجب التوقف قبل أسبوعين على الأقل.
- مرضى الكبد والكلى: لا توجد بيانات كافية تؤكد أمانه.
- الحمل والرضاعة: غياب أدلة كافية يحتم الحذر.
للاستخدام الغذائي أو العلاجي، يُفضَّل اختيار الأوراق الخضراء السليمة متوسطة العمر، فهي الأغنى بالمركبات الفعّالة مثل الأوليوروبين. أما الأوراق الصغيرة جدًا أو الكبيرة المسنّة، وكذلك الأوراق الصفراء أو المصابة بالآفات أو العفن، فيُستبعد استخدامها. يجب أن تكون الأوراق من أشجار لم تتعرض لمبيدات أو أسمدة كيماوية ضارة. بعد جمعها، تُغسل جيدًا بالماء الجاري لإزالة الأتربة، مع إمكانية نقعها سريعًا في محلول خفيف من الخل ثم شطفها.
أما التجفيف، فيُفضَّل أن يتم في الظل بمكان جيد التهوية للحفاظ على المركبات الفعالة، مع تجنّب أشعة الشمس المباشرة. بعد ذلك يمكن تجهيزها بالنقع أو الغلي لتُستخدم كمشروب عشبي آمن.
- المصدر: أوراق نظيفة من أشجار غير مرشوشة بالمبيدات.
- التحضير: 1–3 جم من الأوراق الجافة (ملعقة صغيرة–ملعقتان) في 250 مل ماء مغلي، تُنقع 10–15 دقيقة.
- الجرعة: نصف كوب في البداية، ولا تزيد عن كوبين يوميًا.
- المدة: 8–12 أسبوعًا كحد أقصى مع فترات توقف.
أوراق الزيتون ليست مجرد بقايا لشجرة مباركة، بل هي رمز حيّ لتكامل المنتجات الطبيعية مع العلم. بين مركباتها الفينولية وذكريات استخدامها عبر الحضارات، تقف على الخط الفاصل بين العلاج والداء. إنها ورقة صغيرة لكنها تحمل قوة كبيرة، فإذا استُخدمت بعلم وحكمة، صارت دعمًا حقيقيًا للصحة. أما إذا أُخذت بعشوائية، فقد تكون سببًا في انتكاسة خطيرة.
- الله جلّ في علاه منحنا هذه الكنوز الطبيعية التي لا تُقدّر بثمن.
- ثم جاء علم العلماء ليكشف أسرارها ويضع القوانين والمعايير التي تضمن حسن الاستفادة منها دون ضرر.
- وأخيرًا، يظل الطبيب هو مفتاح الأمان، يرشدنا إلى التطبيق العملي الصحيح، ويحدد لكل إنسان ما يناسبه وفق حالته وظروفه.
فلتكن أوراق الزيتون دواءً أخضر يقودنا إلى صحة أفضل، لا إلى مخاطر مجهولة.