الدهون والزيوت: من قفص الإتهام إلى منصة التكريم

تاريخ النشر:
October 30, 2025
أخر تعديل:
October 30, 2025

رئيس قسم الزيوت والدهون بمعهد بحوث الصناعات الغذائية والتغذية بالمركز القومي للبحوث.

رحلة مكوّن غذائي انتقل من الشيطنة إلى العلم والتقدير

براءة متأخرة… لكنها مستحقة!

لعقودٍ طويلة، حُكم على الدهون والزيوت بالإعدام الغذائي!

اتُّهمت بأنها العدو الأول للقلب والشرايين، والمُتهم الرئيسي في جرائم السمنة والضغط والسكري. هرب منها الناس، واعتنقوا شعارات “الخالي من الدسم” و”صفر دهون”، ظنًا منهم أن الصحة تقيم في الحرمان.

لكن العلم الحديث اليوم يفتح ملف القضية من جديد، ويقدّم محاكمة عادلة ينتزع فيها هذه المكونات الحيوية من قَفص الاتهام، ويرفعها إلى منصة التكريم، لا كعناصر غذائية فحسب، بل كأحد الأسلحة العلاجية والتجميلية الواعدة في الطب الحديث.

ما كان يُعتبر بالأمس عدوًّا… تبيّن أنه الطبيب الصامت في جسدك.

وما كنت تتجنبه خوفًا على صحتك… قد يكون سرّ صحتك وطول عمرك.

في هذا المقال، ستعرف كيف انتقلت الدهون من “شيطنة الجهل” إلى “تكريم العلم”، وكيف أصبحت صيدلية الطبيعة المنسية التي تمد خلايانا بالحياة.

الفصل الأول: الأخطاء الثلاثة الكبرى في إستخدامنا للدهون

قبل أن نحكم على الدهون، يجب أن نفهم كيف أسأنا استخدامها.

الخطأ الأول: الدهون المتحولة (العدو الحقيقي)

  • نتاج عمليات الهدرجة الصناعية التي تحول الزيوت السائلة إلى دهون صلبة.
  • ترفع الكوليسترول الضار (LDL) وتخفض النافع (HDL).
  • توصي منظمة الصحة العالمية بعدم استهلاك أي كمية من الزيوت المهدرجة جزئيا على الإطلاق، والا تزيد نسبة الأحماض الدهنية المتحولة صناعيا (IFA) عن 2% بخلاف الطبيعى منها (المتواجد فى دهن اللبن والدهون الحيوانية) من إجمالى الدهون فى المادة الغذائية.

الخطأ الثاني: الاختلال بين أوميجا-6 وأوميجا-3

  • الإفراط في أوميجا-6 (من الزيوت النباتية المكررة) يسبب التهابات مزمنة.
  • التوازن المثالي هو (4:1) بين أوميجا-6 وأوميجا-3، علما بأن القيمة الأقل فى المعادلة والتى تمثل الرقم واحد تخص نسبة الأحماض الدهنية أوميجا 3 والرقم الأكبر يمثل نسبة الأحماض الدهنية أوميجا 6.
  • في الأنظمة الغذائية الحديثة تصل النسبة إلى (20:1)، وهو اختلال يُضعف المناعة ويزيد الأمراض المزمنة.

الخطأ الثالث: سوء الاستخدام الحراري

  • تجاوز "نقطة الدخان" يحول الزيت إلى مركبات مؤكسدة سامة.
  • إعادة استخدام الزيت للقلي المتكرر زيادة عن الحدود الطبيعية تُنتج مركبات ضارة وقد تكون سامة أو قد تصل أن تكون مسرطنة عند تجاوز حدود غلإستخدام الطبيعى.
  • كلما ارتفعت حرارة الطهي ووقته، انخفضت القيمة الغذائية للزيت.

الفصل الثاني: الأساس العلمي والحيوي للدهون

بعد توضيح الأخطاء، لنتعرّف إلى الوجه العلمي الحقيقي للدهون ودورها الحيوي في حياتنا.

ما الفرق بين الدهون والزيوت؟

  • الدهون: صلبة في درجة حرارة الغرفة (مثل الزبدة والسمن).
  • الزيوت: سائلة في درجة حرارة الغرفة (مثل زيت الزيتون والذرة).
  • الاختلاف الجوهري: في درجة التشبّع؛ الدهون المشبعة تميل للصلابة، بينما غير المشبعة تبقى سائلة.

كيميائيًا، كلاهما من عائلة “الجليسريدات الثلاثية”، لكن نوع الأحماض الدهنية هو ما يحدد الأثر الصحي.

الأدوار الحيوية للدهون في الجسم

  1. لبنات البناء الخلوي
    • تشكّل المادة الأساسية لأغشية الخلايا وتحدد مرونتها ووظائفها.
  2. منظمات الهرمونات
    • تدخل في تركيب الإستروجين والتستوستيرون والكورتيزول وتنظّم المزاج والطاقة.
  3. وقود مستدام وذكي
    • تمدّ الجسم بـ 9 سعرات حرارية لكل جرام وتُحافظ على استقرار السكر بالدم.
  4. مفتاح امتصاص الفيتامينات
    • الفيتامينات (A, D, E, K) لا تُمتص إلا بوجود الدهون.
  5. غذاء الدماغ والمزاج
    • 60% من تركيب الدماغ دهون، وأوميجا-3 (DHA, EPA) تحسّن الذاكرة والتركيز والمزاج.

🌿 الفصل الثالث: من الغذاء إلى الدواء – الزيوت كصيدلية طبيعية

لم تعد الزيوت والدهون مجرد مكونات غذائية… بل أدوات علاجية وتجميلية متكاملة.

1. في الطب الوقائي والعلاجي

  • أحماض أوميجا-3 تقلل الالتهابات وتحمي القلب والمفاصل.
  • زيت الزيتون الغني بالبوليفينولات يُستخدم كعامل مضاد للأكسدة وموازن للكوليسترول.

2. في الغذاء التكميلي للبشرة (في العناية التجميلية والجلد)

لا تقتصر فوائد الزيوت والدهون على تغذية الجسم من الداخل فحسب، بل تمتد لتكون بمثابة غذاء تكميلي خارجي للبشرة والجلد، متجسدةً بذلك الحكمة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم عن زيت الزيتون:

"كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ".

فكما أن تناوله يُغذي الجسم، فإن دهنه يُغذي البشرة من الخارج.

  • تعمل الزيوت الطبيعية (مثل زيت الزيتون، والجوجوبا، واللوز الحلو) على إعادة بناء الحاجز الدهني الطبيعي للبشرة، مما يعزز صحتها وحمايتها.
  • تُساعد هذه الزيوت في تجدُّد خلايا البشرة، وتقليل الجفاف والالتهابات الجلدية، لتحافظ على نضارتها وحيويتها.
  • تُعد الأحماض الدهنية الأساسية (مثل حمض اللينوليك واللينولينيك) عنصراً رئيسياً في الحفاظ على شباب البشرة ولمعان الشعر وقوته.

3. في الأداء الرياضي

  • الدهون متوسطة السلسلة (MCT) في زيت جوز الهند مصدر طاقة سريع وآمن للرياضيين.

🍳 الفصل الرابع: الدليل العملي للدهون الصحية

بعد أن فهمنا القيمة، لنتعلم الآن الاستخدام السليم.

أنواع الدهون وتأثيرها الصحي

دليل الاستخدام الآمن

  1. في الطبخ اليومي
    • زيت الزيتون البكر: للطهي المعتدل والسلطات.
    • زيت الأوليين: يتحمل الحرارة العالية فى القلى والتحمير.
    • زيت الكتان: للاستخدام البارد فقط وكمصدر لأوميجا 3.
  2. في النظام الغذائي اليومي
    • ملعقة إلى ملعقتين كبيرتين من زيت صحي لكل وجبة رئيسية.
    • وجبتان من السمك الدهني أسبوعيًا.
    • حفنة مكسرات غير مملحة يوميًا لمن إستطاع إليها سبيلا.
  3. في التخزين
    • احفظ الزيوت في عبوات داكنة محكمة الغلق بعيدًا عن الضوء والحرارة.
    • لا تشترِ كميات كبيرة دفعة واحدة وإختر حجم العبوة المناسب لمعلات إستهلاكك، لتفادي الأكسدة.

⚙ الفصل الخامس: الدهون في الحياة العصرية

بين الإعلانات المغرية والوجبات السريعة، تضيع الحقيقة العلمية.

الوجبات السريعة: الخطر الخفي

  • تُطهى بزيوت مكررة منخفضة الجودة تُعاد استخدامها مرارًا بدون ضوابط.
  • تحتوي على دهون متحولة ومركبات مؤكسدة تُجهد الكبد وتُضعف القلب.

نصائح عملية للشباب:

  • اختر المشوي بدل المقلي.
  • اطلب الصلصات على الجانب.
  • أضف زيت زيتون بدل المايونيز.
  • تذكّر أن السرعة لا تعني الجودة، والصحة تحتاج وعيًا لا وقتًا طويلًا.

أحدث الأبحاث العلمية

  • الزيوت الوظيفية: زيت الزيتون والسمسم الغنيان بالبوليفينولات كعوامل وقائية للقلب.
  • الدهون متوسطة السلسلة: طاقة فورية آمنة للرياضيين والأنظمة الكيتونية.
  • الزيوت عالية الأوليك: أكثر ثباتًا حراريًا وتُستخدم بديلًا صحيًا في الصناعات الغذائية.

كيف تقرأ الملصقات بذكاء؟

  • تجنّب: “مهدرج جزئيًا” أو “Hydrogenated”.
  • ابحث عن: “بكر”، “معصور على البارد”.
  • احذر: “خالي من الكوليسترول” كلمات دعائية للترويج (كل الزيوت النباتية خالية منه طبيعيًا).

الفصل السادس: الأسئلة الشائعة

هل أحتاج مكملات أوميجا-3؟

ابدأ بالغذاء أولًا: الأسماك الدهنية، بذور الكتان، والجوز. المكمّلات تكون عند الحاجة فقط وتحت إشراف الطبيب.

هل زيت جوز الهند صحي؟

يحتوي على دهون متوسطة السلسلة (MCT) سريعة الهضم والطاقة، لكن لا يُستخدم كزيت أساسي للطهي اليومي.

كيف تؤثر الدهون على المزاج؟

نقص أوميجا-3 يرتبط بالاكتئاب والتوتر، بينما الدهون الصحية توازن هرمونات السعادة (السيروتونين والدوبامين).

💬 خاتمة: من الشيطنة إلى الوعي

في نهاية الرحلة، نكتشف أن الدهون لم تكن يومًا عدوًّا… بل كانت لغة الحياة التي لم نحسن فهمها.

هي ليست ترفًا غذائيًا، بل رسول حكمةٍ بيولوجية يحمل طاقة ودواءً وتوازنًا.

بين الإفراط والإهمال… تكمن المعادلة الذهبية: الاختيار الواعي.

فملعقة زيت صالحة قد تُغذي خلاياك لسنوات، وملعقة فاسدة قد تُرهق قلبك في أيام.

الدهون لا تهدد الحياة… بل تحييها حين نفهمها.

لنجعل العلم ميزاننا، والوعي سلاحنا، والدهون بوابتنا إلى صحةٍ متصالحةٍ مع الطبيعة.

إخلاء مسؤولية: هذا المقال للتثقيف العلمي، ولا يُغني عن استشارة الطبيب أو اختصاصي التغذية، خاصة لمرضى القلب والسكري واضطرابات الدهون.

أقرأ إيضا

النشرة البريدية

تواصل معانا وتابعنا على منصات التواصل الإجتماعي

Tiktok logolinkedin logoinstagram logofacebook logoyoutube logoX logoEmail icon
.Copyright Zyotwdhon. All Rights Reserved ©