رئيس قسم الزيوت والدهون بمعهد بحوث الصناعات الغذائية والتغذية بالمركز القومي للبحوث.
مسئولية تُصان بالعلم والتشريع وتزدهر بالوعي
زيت الزيتون ليس مجرد منتج غذائي، بل هو مرآة لثقافة زراعية أصيلة وتاريخ ممتد يعكس ارتباط الفلاح بالأرض منذ آلاف السنين. إنتاج زيت الزيتون يمثل اليوم أحد المكونات الحيوية للأمن الغذائي والصحي والاقتصادي، لكنه أيضًا في مرمى التحديات (عالميا وليس محليا فقط): من الغش، وسوء التخزين، إلى ضعف الرقابة.
وكشف غش زيت الزيتون لا يكون بالعين المجردة أو حتى بالتذوق فقط، إذ أن كثيرًا من ملامح الغش لا تظهر إلا من خلال مجموعة من التحاليل العلمية الدقيقة تُجرى داخل معامل معتمدة وبأيدٍ خبيرة. من أبرز هذه التحاليل:
- الحموضة الحرة
- رقم البيروكسيد
- تراكيب الأحماض الدهنية
- التحليل الطيفي
- التحليل الحسي
- تحليل الإستيرولات
- تحليل التوكوفيرولات
- تحليل الجلسريدات الثلاثية والـ ECN
- تحليل الفينولات
ولا يستلزم أن تجرى كل التحاليل فى كل الحالات، ولكن يكتفى ببعضها فى حالات كثيرة، فقياس درجة جودة الزيت تعتمد على إجراء تحاليل رقم الحموضة ورقم البيروكسيد (إضافة إلى التقييم الحسى للزيت بمعرفة أحد الخبراء الممارسين فى هذا المجال)، ويجرى إختبار تراكيب الأحماض الدهنية Fatty acid composition كدلالة أولية على نقاوة زيت الزيتون.
يجب أن تُجرى هذه التحاليل لدى جهات معتمدة كالمراكز البحثية أوأى معامل أخرى معتمدة، وأن تُرفق نتائجها مع المنتج في الأسواق ضمانًا للشفافية والثقة.
ومن هنا، تأتي الحاجة إلى تفعيل منظومة شاملة ترتكز على العلم والتشريع والضمير المجتمعي لحماية هذه الثروة.
رسائل ..... إلى صُنّاع القرار:
نناشد صُنّاع القرار في الحكومة المصرية أن يضعوا زيت الزيتون ضمن أولويات السياسات الزراعية والغذائية. المطلوب ليس فقط دعم الإنتاج، بل أيضًا تمويل حملات الرقابة، وتحفيز المنتجين على الالتزام بمعايير الجودة. كما نأمل في إطلاق مبادرات وطنية لتسجيل وتصنيف زيت الزيتون المصري كعلامة جودة مميزة
البرلمان والهيئات التشريعية مدعوون لتحديث التشريعات الخاصة بالغذاء بصفة عامة وبزيت الزيتون بصفة خاصة في ضوء التطورات العالمية. يجب أن تشمل التشريعات إلزام الموردين بتقديم تحاليل معتمدة من معامل رسمية، وفرض عقوبات مشددة على من يثبت تورطه في الغش أو الإهمال الصحي.
مثل هيئة سلامة الغذاء، يقع على عاتقها التحقق من التزام الأسواق والمصانع بالمواصفات. المطلوب هو الانتقال من الرقابة المكتبية إلى النزول الميداني (وهو قائم فعلا، لكنه يحتاج إلى مزيد من بذل الجهد، والدعم المجتمعى)، مع إجراء فحوصات دورية وسحب عينات عشوائية، وتدريب الكوادر على طرق اكتشاف الغش الحديث.
جهاز حماية المستهلك نحث الجهاز على تعزيز دوره الميداني والتوعوي، وتوفير قنوات سريعة وسهلة للإبلاغ عن المنتجات المغشوشة أو غير المطابقة. يمكن تعريف المستهلكين بالخط ساخن أو تطبيق إلكتروني لسهولة الوصول إليكم، لذلك. كما نرجو من الجهاز التعاون مع الجهات الرقابية والمعامل الرسمية لتتبع المخالفات ومعاقبة المتورطين، حمايةً لصحة المواطنين ودعمًا للمنتجين الملتزمين.
إن دور الباحثين لا يتوقف عند النشر الأكاديمي، بل يمتد إلى نقل التكنولوجيا إلى الحقول والمعاصر. ندعو المراكز البحثية إلى التعاون مع المنتجين في تطويرمزيد من أصناف الزيتون المحلية، وتحسين تقنيات العصر، وتدريب المهندسين الزراعيين على متابعة الجودة في مراحل الإنتاج المختلفة.
أنتم صُنّاع الثقة. الالتزام بإنتاج زيت نقي وعالي الجودة ليس فقط أمانة مهنية، بل هو أيضًا استثمار طويل الأجل في سمعتكم وسوقكم. احرصوا على توثيق الجودة من خلال تحاليل مخبرية دورية، وتأكدوا أن الشفافية مع المستهلك تعزز من مكانتكم في السوق المحلي والدولي.
إلى الغشاشين والمتورطين في تضليل المستهلك: الغش في زيت الزيتون لا يضر فقط بصحة المواطن، بل يهدم سمعة قطاع كامل. نذكّركم أن الربح السريع القائم على التزوير لا يدوم، وأنكم مسئولون قانونيًا وأخلاقيًا أمام المجتمع.
اتقوا الله، فالمنتج النقي رزقٌ حلال مستدام، أما الغش فهو جريمة مزدوجة، عقوبتها صارمة فى الدنيا قبل الآخرة.
أنتم واجهة المنتج أمام المستهلك، وعليكم دور محوري في ضمان أن ما يُعرض على الرف آمن ونقي. نقترح أن تشترطوا على الموردين تقديم نتائج تحاليل رسمية من معامل معتمدة، وأن تتولوا سحب عينات عشوائية بانتظام لمراجعتها. بهذا تكونون شركاء في حماية صحة الناس، وتعززون ثقة العملاء في مؤسساتكم.
أنتم خط الدفاع الأول. لا تنخدعوا بالمظهر أو العروض السعرية، فالصحة لا تُقدّر بثمن. اختاروا منتجات موثوقة المصدر، واقرأوا الملصقات بعناية، وابحثوا عن شهادات تحليل من جهة رسمية. ساهموا في نشر الوعي في محيطكم، فكل قرار شراء سليم هو دعم للمنتج الجيد وردع للغشاش.
المؤثرون على مواقع التواصل يحملون رسالة، والكلمة عندهم قد ترفع منتجًا أو تضر بقطاع بأكمله.
نناشدكم بتحري الدقة، واستشارة المختصين قبل الترويج لأي منتج، والمشاركة في حملات توعية عامة حول كيفية اختيار زيت الزيتون الجيد.
الشفافية والمصداقية هي رأس المال الحقيقي في عالم التسويق.
ابتعدوا عن العبارات المضللة أو المبالغات غير العلمية، واستندوا إلى تحاليل مخبرية ومعايير دولية في حملاتكم التسويقية.
ساهموا في بناء ثقافة استهلاكية قائمة على الفهم لا الانبهار.
تمتلك هذه الجمعيات أدوات تواصل مباشرة مع المجتمع، ولديها قدرة على التأثير المحلي والعلمي. ندعوها لتنظيم حملات توعية، وورش تدريبية لصغار المنتجين، والتنسيق مع الجهات الرسمية لتقديم الدعم الفني والاستشاري. هذه الشراكة بين المجتمع المدني والدولة هي أساس منظومة رقابية ناجحة ومستدامة.
زيت الزيتون ثروة لا تقدر بثمن. حمايته واجب وطني يتطلب تشريعًا حازمًا، رقابة مستمرة، دعمًا علميًا، ووعيًا مجتمعيًا. كل فاعل في هذه المنظومة أو السلسلة _ من الحكومة إلى المستهلك – له دور أصيل.
فلنعمل جميعًا على دعم المنتج النقي، والتصدي للغش، حمايةً لصحة الإنسان، وكرامة الفلاح، وسمعة الوطن.