تُعدّ الصين أكبر مستورد لفول الصويا في العالم، وقد حظيت التطورات الأخيرة في سلسلة صناعة فول الصويا لديها باهتمام واسع، خصوصًا في ظل محاولات بعض وسائل الإعلام الدولية رصد أحدث المستجدات في سلاسل الإمداد التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
وذكرت وكالة بلومبرغ يوم الاثنين أن الصين تعيد تشكيل تجارتها في فول الصويا بهدوء من خلال زيادة صادرات زيت الصويا وتجربة شحنات من كسب فول الصويا من الأرجنتين.
وبالمقارنة مع واردات الصين الضخمة من فول الصويا، فإن كميات صادرات زيت الصويا وواردات كسب فول الصويا من الأرجنتين تبقى محدودة، لكنها تحمل دلالات ورمزية استراتيجية مهمة. ففي النصف الأول من عام 2025، بلغت صادرات الصين من زيت الصويا 139 ألف طن، متجاوزة إجمالي الصادرات في عامي 2023 و2024. كما قام التجار الصينيون مؤخرًا بعدة مشتريات من كسب فول الصويا الأرجنتيني، كان آخرها شحنة بوزن 30 ألف طن، ليرتفع إجمالي المشتريات الأخيرة إلى 90 ألف طن، وفقًا لتقارير إعلامية صينية.
في ظل حالة عدم الاستقرار في التجارة العالمية، يمكن النظر إلى هذه التطورات كجزء من استراتيجية الصين الأوسع لتنويع مصادر فول الصويا وتعزيز سلاسل صناعتها.
وستواصل الصين استيراد فول الصويا من الولايات المتحدة، لكن خياراتها المستقلة في القضايا التجارية ستزداد وضوحًا. ومن خلال إجراءات مثل تنويع قنوات الاستيراد، وزيادة القدرة المحلية على العصر، وتحسين صيغ الأعلاف، انخفض اعتمادها على فول الصويا من بلد واحد بشكل ملحوظ. وقد وسّعت الصين مصادر استيراد فول الصويا لتشمل الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين وروسيا وكازاخستان، ما يمنحها خيارات أوسع.
وعلى صعيد الإمدادات المحلية، تبذل الصين جهودًا ملحوظة لإنعاش صناعة فول الصويا المحلية. فلتخفيف ضغط الواردات، أطلقت الحكومة سياسات لدعم إنتاج فول الصويا المحلي. وفي عام 2019، أطلقت وزارة الزراعة والشؤون الريفية خطة لإنعاش فول الصويا. كما وضعت الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021-2025) أهدافًا طموحة. ومن المتوقع أن تصل مساحة زراعة فول الصويا هذا العام إلى نحو 160 مليون مو (10.67 مليون هكتار)، وأن يبلغ الإنتاج نحو 23 مليون طن، في إطار سعي الصين لتعزيز الاكتفاء الذاتي.
كما لعب الابتكار التكنولوجي دورًا مهمًا في تعديل الطلب على فول الصويا. ففي السنوات الأخيرة، أدى الانتشار الواسع لتقنية الأعلاف منخفضة البروتين في صناعة التربية إلى تقليل مباشر في الطلب على كسب فول الصويا.
ويُعدّ تنويع مصادر الاستيراد إجراءً ضروريًا لضمان استقرار واردات فول الصويا. وقد أظهرت بيانات الجمارك أنه في عام 2024 استوردت الصين 105 ملايين طن من فول الصويا، شكّلت الواردات البرازيلية نحو 71% منها، بينما شكّلت الواردات الأمريكية حوالي 21%، كما بلغت واردات فول الصويا الأرجنتيني 4.1 مليون طن، أي ضعف الكمية المستوردة في 2023. هذا التحول لم يكن نتيجة لتعديل الصين في سلسلة صناعة فول الصويا فحسب، بل كان أيضًا استجابة لحالة عدم اليقين في السوق العالمية.
وعلى نطاق أوسع، أدت سياسات الرسوم الجمركية الأمريكية إلى خلق بيئة تجارية ثنائية معقدة وغير مستقرة. فالصين تحتاج إلى إمدادات مستقرة من فول الصويا لضمان معيشة السكان والتنمية الصناعية، بينما تعتمد الولايات المتحدة على السوق الصينية لاستيعاب إنتاجها من فول الصويا وتحقيق المكاسب الاقتصادية. وبالتالي، فإن العلاقة التجارية بين البلدين قائمة على الاعتماد المتبادل والمصالح الاقتصادية المتشابكة. وتجارة فول الصويا ليست سوى صورة مصغرة للعلاقة الاقتصادية والتجارية الأشمل بين الصين والولايات المتحدة. وباعتبارهما أكبر اقتصادين في العالم، تتقاطع مصالحهما الاقتصادية والتجارية على نطاق واسع.
إن تعزيز استقلالية سلاسل الإمداد الزراعية يُمثل خيارًا استراتيجيًا لمواجهة التغيرات في البيئة الخارجية، كما يعكس في الوقت ذاته تطور حالة الاعتماد المتبادل بين الصين والولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، يتعين على الولايات المتحدة أن تدرك أن ما يسمى بـ "فك الارتباط الاقتصادي" ليس حلًا قابلًا للتطبيق، بل سيؤدي على الأرجح إلى وضع يخسر فيه الطرفان. سواء تعلق الأمر بمواصلة تحسين تجارة فول الصويا أو تعميق التعاون في مجالات أخرى، فإن الأساس لتحقيق الاستقرار وسط حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي يكمن في التعاون القائم على المنفعة المتبادلة والربح المشترك.