تُعد شجرة الزيتون، "الشجرة المباركة" التي ورد ذكرها في القرآن الكريم، واحدة من أهم ركائز الزراعة المصرية. وعلى عكس الاعتقاد الشائع لدى الكثيرين، فإن الزيتون يصنف علميًا كأحد أنواع الفاكهة وليس الخضروات، وتتركز زراعته في المناطق الساحلية والأودية. تتربع مصر على عرش الإنتاج العالمي لزيتون المائدة، حيث تنتج ما يقارب مليون طن سنويًا. ووفقًا لبيانات مركز البحوث الزراعية، وصلت المساحة المزروعة بالزيتون في البلاد إلى 257,896 فدانًا، بإجمالي إنتاجية سنوية تُقدر بـ 1,565,548 طنًا.
أفاد تقرير صادر عن معهد بحوث البساتين التابع لمركز البحوث الزراعية، بأن مصر تحتل مرتبة متقدمة بين دول حوض البحر المتوسط المنتجة للزيتون، بمتوسط إنتاجية يبلغ 4.3 طن للفدان. وفي إطار خطة طموحة للتوسع في زراعة أشجار الزيتون، وخاصة الأصناف المخصصة لإنتاج الزيت، نجح المعهد في استنباط وتسجيل 11 صنفًا جديدًا بشكل رسمي، تتميز بقدرتها على مقاومة التغيرات المناخية، ويجري إكثارها في منطقة غرب المنيا.
تتضمن السياسة الزراعية أيضًا تشجيع المزارعين على تكوين اتحادات تعاونية وربطهم بجهات التصنيع لزيادة العائد المادي. كما يتم التركيز على الزراعة النظيفة والصديقة للبيئة من خلال استخدام الأسمدة العضوية والحيوية، والمكافحة الحيوية للآفات، إلى جانب الاهتمام بالحفاظ على الأصول الوراثية المحلية وتقييم السلالات الجديدة الناتجة عن برامج التحسين الوراثي.
لتعزيز هذه الجهود، تم تدشين أول مجلس نوعي للزيتون في مصر. يهدف المجلس إلى الارتقاء بجودة وكفاءة الزيتون المصري سواء للاستهلاك المحلي أو للتصدير، وذلك عبر تقديم الدعم لصغار ومتوسطي المزارعين والمصدرين. يسعى المجلس لوضع سياسات واضحة وقابلة للتنفيذ لتحقيق زراعة مستدامة، وتهيئة بيئة استثمارية مناسبة من خلال استراتيجيات علمية تطبيقية، ونشر ثقافة زراعة الزيتون على أسس علمية. ومن ضمن مهامه، يعمل المجلس على توفير شتلات عالية الجودة للمزارعين بالتعاون مع معهد بحوث البساتين، وتقديم التدريب الفني لتحسين جودة الإنتاج.
ونتيجة لهذه الجهود، التي تضمنت مبادرة "100 مليون شجرة زيتون" التي أُطلقت عام 2014، ارتفع عدد أشجار الزيتون في مصر من 30 مليونًا إلى 60 مليون شجرة، مما رسخ مكانة مصر في المرتبة الأولى عالميًا في إنتاج زيتون المائدة، وساهم في عودتها لعضوية المركز الدولي للزيتون.
أوضحت الدكتورة شيرين عادل عبد الحميد، أستاذ الفاكهة ورئيس وحدة بحوث الفاكهة بمركز بحوث الصحراء، أن مصر تواجه تحديات بسبب التغيرات المناخية. فبينما تحتفظ بالمركز الأول في إنتاج زيتون المائدة، تراجعت في إنتاج زيتون الزيت الذي كان ترتيبها فيه المركز الثاني عشر عالميًا. يعود السبب الرئيسي إلى أن أصناف الزيت تحتاج إلى برودة أكثر من أصناف التخليل، ومع ارتفاع درجات الحرارة، لم تعد بعض المناطق، كواحة سيوة، مناسبة لزراعتها كما كانت. يضاف إلى ذلك تحدي قلة العمالة وارتفاع أجورها التي قد تصل إلى 500 جنيه في اليوم.
وأشارت د. عبد الحميد إلى وجود أصناف ثنائية الغرض. فإذا كانت الثمرة لحمية، فهي تناسب التخليل، أما إذا كانت نسبة الزيت فيها مرتفعة (تتراوح بين 21% و25% من حجم الثمرة)، فهي تناسب العصر. ويتم جني ثمار التخليل مثل "التفاحي" و"العجيزي" من نهاية أغسطس إلى نهاية سبتمبر، بينما يتم جني ثمار إنتاج الزيت عندما تصل إلى مرحلة "النضج المثالي" عند تلون ثلاثة أرباعها، وذلك في الفترة من نوفمبر حتى ديسمبر، حيث يضمن ذلك الحصول على زيت بجودة عالية وحموضة منخفضة.
وكشفت د. عبد الحميد عن جهود الدولة لمواجهة هذه الآثار، حيث يتم تنظيم حملات توعية للمزارعين للتغلب على الإجهاد الحراري، ويقدم مركز بحوث الصحراء من خلال أكثر من 13 محطة بحثية منتشرة، دورات تدريبية للمزارعين حول الآفات الجديدة وكيفية التغلب عليها، مع العمل المستمر على استنباط سلالات جديدة تتحمل الحرارة العالية.
يُطلق على زيت الزيتون لقب "الذهب الأخضر"، وهو ليس مجرد مكون أساسي في المطبخ، بل كنز من الفوائد الصحية والعلاجية.
في سوق ليبيا بمرسى مطروح، يروي الحاج صبري بوشلوف، صاحب محل لبيع زيت الزيتون، أن المحافظة تشتهر بزيتها عالي الجودة الذي يجذب الزبائن من كل مكان. يقول: "نحن نزرع شجرة الزيتون في أرضنا داخل بيوتنا، ونحصدها ونعصرها لننتج زيتًا نقيًا". ويضيف أن الشجرة مباركة بالكامل؛ فأوراقها تُغلى وتُشرب لخفض نسبة السكر، وبذورها تُعطى للناقة بعد ولادتها لتدر الحليب، أما زيتها ففوائده لا تُحصى. وأشار إلى ظاهرة "المعاومة"، حيث قد "تريح" الشجرة لعام، لتعوض المزارع بإنتاج مضاعف في العام التالي.
وينصح بوشلوف بشراء الزيت من مصدر موثوق لتجنب الغش، موضحًا أن موسم الحصاد في مطروح يبدأ من أكتوبر حتى ديسمبر، وأن أفضل أنواع الزيتون للعصر هو "الشملالي الأسود" الذي ينتج زيتًا وفيرًا رغم صغر حجمه. وللحفاظ على جودة الزيت، يجب تخزينه في مكان مظلم وبارد داخل قوارير زجاجية داكنة أو خزانات من الستانلس ستيل.
من جانبه، يوضح خالد عبد الناصر حميدان أن الكثير من المرضى في مطروح يفضلون التداوي بزيت الزيتون لأمراض القلب والضغط والسكر، وأن الزيت المعصور على الحجر أغلى وأفضل جودة.
ويضيف محمود طالب العطار، تاجر منتجات سيوة، أن موسم تخليل الزيتون "العزيزي" يبدأ الآن لتخزينه لشهر رمضان، بينما يبدأ موسم الزيت في يناير. أما أنور مصطفى، وهو تاجر آخر، فيحذر من الغش، موضحًا أن الزيت الأصلي له كثافة وطعم ورائحة مميزة و"يلسع في الزور لسعة خفيفة"، بينما المغشوش رخيص ورائحته كريهة. وأرجع سبب ارتفاع سعر الزيت مؤخرًا إلى ضعف الإنتاج نتيجة التغيرات المناخية.
المصدر: الجمهورية